TOP

جريدة المدى > عام > عروضنا الفنية بلا شباك تذاكر والدعوة مجانية دائماً

عروضنا الفنية بلا شباك تذاكر والدعوة مجانية دائماً

نشر في: 24 مارس, 2018: 05:40 م

زينب المشاط

كل ما حولنا بإمكانه أن يصل لـ "أعلى سعر" ببساطة نحن نلهث خلف الصعاب، خلف الحُلم بأن تحتوينا سقوف، بأن نُشارك من نُحب سريراً وجدراناً، نحن نجري بأسرع ما في قدرتنا من مُستطاع  لننال حقنا المشروع! حتى إننا نسينا المُتعة بهذه الحياة وصرنا نلهث في سبيل العيش بكرامةٍ مُنتظرين نهاية الطريق...

هذا ببساطة قادنا نحو طيّ كل شيء، هجرنا الجمال، وتأمل الأشياء، وبدل أن ندفع "ديناراً" لمُتابعة عرض جمالي، ذهبنا لدفع "الآلاف" في سبيل العيش، أكان هذا خيارنا ومازال، أم اننا وقعنا ضحية ثقافة ترُبيّنا عليها ونشأنا عليها ممتزجين منصهرين فصارت جزءاً من طباعنا؟
قد يكون الموضوع كثير التفرعات واسع جداً، إلا أننا سنحسره ضمن موضوعات الفن والثقافة، حيث لم يشهد أي عرض فني أو ثقافي إقبال جماهيري حقيقي، خاصةً إذا كان هذا العرض "مدفوع الثمن" أي "غير مجاني" وما إن كانت الدعوة "مجانية"حتى نجد حضوراً جماهيرياً ونخبوياً بارزاً، فهل نشأنا نحن على فن الـ "بلاش" ؟ وهل لشأن الفنون أن تستمر بعطاءاتها إذا كانت بـ "بلاش" ؟
ثقافتنا تشوبها الاخطاء، فأجيالنا لم تنشأ على التعامل مع الفن وتقبله والشغف به، يقول مدير المسارح في دائرة السينما والمسرح فلاح إبراهيم " إننا توارثنا ثقافة خاطئة، حيث لا يوجد أي فنان في العالم يعمل بـ "بلاش" جميع الفنون والثقافات تُقدم بشباك تذاكر، وهذا ما نفتقر له لأننا لم نعوّد الفرد أو المشاهد والجمهور على مُتابعة العروض مُقابل مبالغ مالية ونحن من فعلّ ثقافة "البلاش" على فنوننا وأعمالنا."
من قال إنه لا وجود لجمهور يشاهد الفن العراقي، ومن قال إن الفرد العراقي يدفع اموالاً طائلة في شتى المجالات، إلا انهم لا يدفعون ديناراً رمزياً في مجال الفن فهو مُخطئ الفنان فلاح إبراهيم يؤكد " إن الفرد العراقي غير معتاد على شباك التذاكر، وقد نشأ أو نحن من عوّده على ثقافة متابعة أي عمل فني بـ "بلاش" ويمكننا أن نلمس هذا الامر من خلال العروض المسرحية التجارية التي تقدم حالياً فهو يدفع قيمة التذكرة في هذه العروض لأنه اعتاد على ان تكون بقيمة مالية، أما نحن فعودناه أن تكون العروض النخبوية وحتى الاعمال المسرحية العائلية بـ بلاش."
الآن تحاول دائرة السينما والمسرح تغيير هذه الثقافة وتعويد الفرد أو المشاهد على ثقافة عالمية تُعطي الفن قيمته كما لا تُسيئ للمتابع حيث يذكر إبراهيم " تتوجه دائرة السينما والمسرح اليوم لتفعيل العروض المسرحية مقابل دفع قيمة التذكرة أسوّة بكل دول العالم حيث لا وجود لفن بالمجان، فستكون من الآن الاعمال الفنية المقدمة مقابل تذكرة بقيمة رمزية على الأقل."
لكن هل المشكلة بقيمة تذكرة الجمهور فحسب؟ يجد البعض أن النخب الثقافية تعدّ دفع قيمة التذكرة للعرض الفني إهانة، أو انتقاصاً، حيث يتوجب على الفرد أن يدفع حق التذكرة، إلا أن هذا يجب أن لاينطبق على النخب الثقافية يذكر المسرحي ومدير منتدى المسرح التجريبي حيدر جمعة "إن المشكلة ليست في ثقافة "البلاش" فحسب، إلا أن النخب لاتُشجع على ذلك أيضاً فهي ترى أن ما ينطبق على المشاهد في مسألة قيمة تذكرة العرض لا ينطبق عليها وهذه مشكلة كبيرة يجب تلافيها لدعم العرض بشكل صحيح."
يجب أن لا نتناسى أيضاً ما يخص نوع العرض، فهل العرض العراقي يستحق "دفع قيمة التذكرة" وهل لدينا اسماء شباك تذاكر؟ جمعة يذكر " إن نوع العروض المقدمة تكون أحيانا متعالية على فهم المتلقي البسيط، وهذا ما خلق فجوة بين العروض الفنية والمشاهدين، فعلينا أن نقدم عروضاً تعكس موضوعة الشارع العراقي ببساطة لا عروض نخبوية صرفة."
إضافة الى المادة، فمشكلة المادة في دفع قيمة التذكرة، هي ذاتها مشكلة المادة بإنشاء العرض، وقيمة التذكرة من شأنها حل مشكلة المادة يشير جمعة "إننا نعمل على مدى عام لتقديم أعمال تشغلنا مدة 6 أشهر تقريباً ثم لا نحصل سوى على قيم مالية بخسة جداً، لو كان هنالك شباك تذاكر لساعدنا على تقديم ما هو أفضل بكل تأكيد."
"نحن على هامش تاريخ الفن" قد يكون التعليق الأكثر بؤساً لموضوعي الاستطلاعي، رئيس جميعة الفنانين التشكيليين قاسم سبتي يقولها بأسف "لاتوجد لدينا تقاليد الفن الاوروبي فنحن على هامش التاريخ."
متحف الفن المعاصر ومتحف الآثار العراقية القديمة جميعها مجانية ودون تذاكر دخول، سبتي يؤكد "ان ثقافتنا بالمجان، لأننا بدون وعي، فيجب أن نزرع الواعز والوعي الفني والمبادئ الثقافية في نفوس الأجيال منذ الدراسة الابتدائية، أذكر أن معلمي الأول نزار الدين الطائي زرع بي هذا الوعي من خلال تقديمه للهدايا لنا عند تقديمنا كل عمل فني جيد ويستحق."
يبدو أن الواقع الثقافي العراقي يسير على عكس ما يجب أن يكون، يذكر السبتي "اننا نقدم الأموال فقط من أجل جلب متابعين، وهكذا هي عروضنا التشكيلية ما أن يُفتتح العرض في اليوم الاول حتى يشهد حضوراً واسعاً من النخب وذويهم وعوائلهم، وبعض الاعلاميين، واذا استمر العرض للايام التالية لن يشهد سوى حضوراً خجولاً وفقيراً."
البلدان المتقدمة تقاس بمبدعيها ومدى حضورهم في المشهد الثقافي، فهل هذا يعني إن الفن لا حاجة له بالمال؟ وان العطاء الفني لا حاجة له بالجمهور الدافع لقيمة التذكرة؟ الفنان التشكيلي عقيل خريف يتحدث عن الموضوع قائلاً " إن البلدان المتقدمة تقاس بمبدعيها وبتفاعل العامة مع نتاجاتهم الثقافية." وهنا يؤكد لنا إن لتفاعل الجماهير مع النتاج الفني والثقافي أمراً مهماً، ويقول خريف" ما بالك إن الطبقة الحاكمة في العراق لاتعرف نصب الحرية وسط بغداد للراحل جواد سليم مثلاً فكيف لها أن تؤسس لثقافة حقيقية أو ترعى الارث الثقافي والمنجز التشكيلي وتعمل له متاحف."
بالفعل، "إذا كان ربّ البيت بالدف ناقر..." كيف يمكن للفرد أن يهتم بالفنون في حين أن الدولة وضعت الفن في خانة المهملات والفوائض، يذكر خريف"إن اغلب أعمال الرواد تم سرقتها ولايوجد إلا الجزء القليل منها في مركز الفنون، وهذا ما يحول دون إقامة معارض ومتاحف رصينة لاحتوائها." مُضيفاً "أنا اعتقد لو توفر لدينا نية صادقة للتمسك بالهوية الثقافية للبلد واسترجعت الأعمال المسروقة وحث الناس على معرفة فنانييهم ومبدعيهم وإنشاء برامج تثقيفية ابتداءً من الكتب المدرسية الى التلفزيون الخ .وقبل كل هذا يجب أن تعمل كافة المؤسسات على جعل المواطن يتمسك بالهوية الوطنية .. وقتها ممكن أن نلحظ تغيراً نحو الأفضل."

 

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

موسيقى الاحد:أريش فولفغانغ كورنغولد

صورة سيفو في مرآة الوهايبي

"مُخْتَارَات": <اَلْعِمَارَةُ عِنْدَ "اَلْآخَرِ": تَصْمِيمًا وَتَعْبِيرًا > "لِوِيسْ بَاراغَانْ"

"حماس بوينس آيرس" أول مجموعة شعرية لبورخس

علي عيسى.. قناص اللحظات الإبداعية الهاربة

مقالات ذات صلة

بورخيس،هايزنبرغ وإيمانويل كانت
عام

بورخيس،هايزنبرغ وإيمانويل كانت

أدار الحوار: مارسيلو غلايسر* ترجمة: لطفية الدليمي ما حدودُ قدرتنا المتاحة على فهم العالم؟ هل أنّ أحلامنا ببلوغ معرفة كاملة للواقع تُعدُّ واقعية أمّ أنّ هناك حدوداً قصوى نهائية لما يمكننا بلوغه؟ يتخيّلُ مؤلّف...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram