اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > تقارير عالمية > لماذا الألمان مهووسون بموروث إدخار المال؟

لماذا الألمان مهووسون بموروث إدخار المال؟

نشر في: 24 مارس, 2018: 06:24 م

ترجمة / حامد أحمد
 في أحد شوارع برلين، خلف سلسلة من أبواب حديد سميكة، يقبع هناك مستودع كبير بحجم ملعب كرة سلة، إنه المتحف التأريخي الألماني الذي يضم كنزاً من المقتنيات المذهلة، من بينها تماثيل نصفية ومنحوتات تعود للحقبة السوفيتية وعربة نقل سوداء من عشرينيات القرن الماضي، وصندوق خشبي منقوش عليه خوذة نابليون، كل قطعة هنا يمكن أن تفصح عن قصة مثيرة، ولكن مايجذب الانتباه في هذا المتحف، هو ما يشير الى هوس الألمان  بإدخار وتوفير الأموال، حيث يزدحم رفٌّ في القسم الخلفي من المتحف بمجموعة تأريخية من الحصالات وصناديق إدخار الأموال والنقود.

ويبلغ عمر أقدم حصالة نقود معروضة مايقارب من 400 سنة، وأحدثها يعود لحقبة القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين.
أغلب الحصالات التي كانت في المتحف منقوش عليها رسوم خلية نحل، وهو رمز قديم يدل الى النظام والاحتراز، ومحفور عليها أيضاً عبارات وحكم تشير الى معاني تتجاوز المعنى التقليدي لإدخار العملات والنقود. وتقول إحدى العبارات"مصير الأمة يكمن بقوتنا نحن بالذات". في حين تقول حكمة أخرى"ليكن إدخارك تعزيزاً لثراء الشعب الألماني."
لماذا الإدخار مهم جداً بالنسبة للألمان؟ إنها سياسة الترشيد والاقتصاد النقدي التقشفي التي أتت بثمارها خلال فترة الكساد الاقتصادي التي مرّت على منطقة اليورو مؤخراً، حيث اضطرت معظم البلدان الأوروبية الى فرض تقليصات حادة في الميزانية في مسعى منها لتعديل وضعها الاقتصادي للتماشي مع السوق الدولية، في حين كانت ألمانيا تشهد فائضاً مالياً بسبب تقشفها وترشيدها الاقتصادي القاس.
التقشف والتنظيم الاقتصادي، جزآن متأصلان بالموروث الذي ميّز الألمان عن غيرهم من الشعوب، والذي يعتبروه صفة خاصة بهم تميّزهم عن بقية البلدان. وهناك اعتقاد أيضاً، بأن ادخار المال وتلافي القرض، هو ليس فقط أسلوب لترشيد الانفاق، ولكنه مؤشر لشيء أعمق. حيث يقول، كاي اوي بيتر، مدير مصرف ادخار، برلينر سباركاس، الذي يضم اكثر من 2 مليون زبون:"يعتبر الإدخار التصرف الأخلاقي الصحيح الواجب فعله. أنه اكبر من مجرد ستراتيجية مالية بسيطة."
كل هذا الموروث الألماني سيتم كشفه خلال معرض جديد سيُقام في المتحف التأريخي الألماني والذي سيفتح أمام الزوّار هذا الاسبوع وسيضم مقتنيات تأريخية تحت عنوان، الادخار، من بينها رسومات ولوحات إعلان ووثائق تأريخية تبيّن التسلسل الزمني لموروث الإدخار عند الألمان عبر التاريخ من عصر النهضة الى حد تاريخ الأزمة الاقتصادية في أوروبا.
وقال مدير المتحف، روبرت ميوختشالا:"نريد أن نوضح من خلال معروضات المتحف، كيف أن ادخار المال اصبح شيئاً يميّز الهوية الالمانية بالذات، أي أنه شيء لصيق بالتراث الألماني."
تشير الاحصاءات الى أن ربّات البيوت الألمانيات، يدخرن 10% من دخل البيت المتوفر، وهو ضعف معدل مايدخره البيت الأوروبي أو الأميركي. وما يميّز الألمان أيضاً هو أن معدل إدخاراتهم مستقرة على مدار الزمن، ولا تتأثر بأيّ أزمة اقتصادية أو أي تغييرات تحصل في معدل الفائدة.
استناداً الى المؤرخ الاقتصادي البروفيسور، هارولد جيمس، فإن التزام الألمان بموروث الإدخار، يعكس أبعاداً ديموغرافية وتاريخية وحتى نفسيّة، مؤكداً بقوله:"على سبيل المثال، الألمان هم اكثر قلقاً واهتماماً من الأميركان، انهم يعتقدون بأنه يتوجب عليهم الاستعداد لأيّ شيء طارئ أو أي مساوئ قد تحلّ بهم، وانه يتوجب عليهم أن يكونوا مستعدين لمواجهة تلك الأزمة. وهناك تقليد ديني بروتستانتي يدعو لهذا السلوك أيضاً، باتباع الإدخار والتقشف، ويشير هذا التقليد الى أن الفضيلة تعني التخلّي عن الاكتفاء الحالي."
ويضيف البروفيسور الى أن الإدخار في ألمانيا، يتجاوز حدود الفائدة الشخصية الضيّقة، فهو تقليد ينظر إليه على أنه نشاط ونظام يوفّران خدمة على مستوى النطاق الجماعي والوطني أيضاً، مشيراً الى أن الحصالة هي رمزٌ الى مصير وقوة بلدنا ألمانيا، قوتنا واصرارنا هو بمداومة وضع نقود داخل هذه الحصالات.
تشير المعلومات التأريخية الى أن أول مصرف إدخار في العالم أسس في هامبورغ عام 1778. استلهاماً بأفكار التقدم الاجتماعي، كان ينظر الى هذه المنشأة في بادئ الأمر، على أنها وسيلة لمساعدة سكان المدينة من الفقراء لحل مشكلاتهم. وعن طريق إدخار جزء صغير من دخلهم، فإنهم قد يكونوا في يوم ما، في وضع يمكنهم من تسديد أجور تعليم أولادهم وتخفيف العبء المالي عليهم.
ويضيف مدير المتحف، ميوختشالا، بقوله"خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر، اصبح الإدخار مرتبطاً اكثر بالفكرة الوطنية. أي عندما تلاحظ ارتفاع الدعوة لأسلوب الإدخار في المدارس وتثقيف التلاميذ على سياسة توفير المال في مصرف المدرسة واتساع هذه السياسة على نطاق البلد، فإن الإدخار عند هذه المرحلة لم يعد ينحصر لمحاربة الفقر فقط، بل أصبح ينظر اليه على أنه يصبّ فـــــــي خــــــــدمة الوطن."
مبدأ إدخار الأموال الشخصية كخدمة للوطن، أصبحت جليّة أكثر وراسخة خلال فترة الحرب العالمية الأولى، عندما تم تشجيع الألمان بشكل أو بآخر عن طريق ماكنة الدعاية لدفعهم الى دعم المجهود الحربي من خلال استثمار أموالهم بأسهم حربية. ويظهر في منشور إعلاني طبع خلال العام 1917 عدّة أوراق نقدية مختلفة الألوان، وهي توضع في خوذة جندي حديد. وكانت عبارة بخط عريض في الإعلان تقول:"أفضل وسيلة للإدخار المصرفي هي عن طريق سندات الحرب."
وكما هو موضّح في معروضات المتحف الألماني، فإن مصارف التوفير الخاصة بالمدارس التي ظهرت للسطح لأول مرة في أواخر القرن التاسع عشر، قد اصبحت موجودة في كل مكان، وبحلول العام 1938 كان اكثر من ثلث مجموع مدارس الأطفال توفر نقودها عبر هذه المؤسسات وفتح ما يقارب من 3.4 مليون حساب توفير شخصي.
واستمر الألمان بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى بموروث الإدخار، وبحلول العام 1944 حيث آخر احصاءات متوفرة حول كمية المبالغ المدخرة، كان الألمان قد أدخروا مايقارب من 97 مليار مارك، أي اكثر بمقدار 68 مليار مارك، عما كان في بداية الحرب، واكثر بسبعة أضعاف ماكان مدخراً عندما تسلّم هتلر السلطة.
استمر هذا التقليد لغاية الآن في ألمانيا، حيث يحرص الألمان على توفير اموالهم تحسباً لمواجهة أيّ ظرف قد يؤدي لحدوث تضخم في العملة أو هبوط بمعدل الفوائد. وتستمر مصارف الإدخار في ألمانيا بالسيطرة على 37% من جميع الإيداعات.

عن صحيفة فاينانشل تايمز

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

أفضل (20) رواية بوليسية.. من "ربيكا" إلى "دم بارد"

أشهر الكتب الممنوعة

نظريات التآمر عن الأرض المجوفة.. الحقيقة الكاملة

أفضل الروايات الرومانسية

سر مريم المجدلية الحقيقية

مقالات ذات صلة

برنامج دولي لتحقيق أمن غذائي دائم للمتضررين فـي العراق

برنامج دولي لتحقيق أمن غذائي دائم للمتضررين فـي العراق

 ترجمة / المدى في الوقت الذي ما تزال فيه أوضاع واحتياجات النازحين والمهجرين في العراق مقلقة وغير ثابتة عقب حالات العودة التي بدأت في العام 2018، فإن خطة برنامج الأغذية العالمي (FAO )...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram