ترجمة/ أحمد الزبيدي
عليّة خلف صالح الجبوري، المرأة العراقية الشجاعة والمعروفة باسم (أم قصي) إحدى النساء العشر اللاتي منحن جائزة المرأة الشجاعة الدولية لعام 2018 وهي الجائزة التي تمنحها وزارة الخارجية الأميركية كل عام.
وقام نائب وزير الخارجية جون ج. سوليفان، باستضافة حفل توزيع جوائز المرأة الشجاعة الدولية (IWOC) السنوي في وزارة الخارجية الأميركية لتكريم 10 نساء غير عاديات من جميع أنحاء العالم. وألقت ميلانيا ترامب، السيدة الأولى في الولايات المتحدة خطاباً في الحفل. إضافة إلى ذلك، ستقوم وكيلة وزارة الخارجية للشؤون العامة والعلاقات العامة والمتحدّثة باسم وزارة الخارجية هيثر ناويرت، بإلقاء كلمة افتتاحية وختامية.
وتُمنح الجائزة للنساء في جميع أنحاء العالم، اللواتي أظهرن شجاعة وقيادة استثنائيتين في الدعوة إلى السلام والعدالة وحقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة، وكثيراً ما يعرضهن ذلك الى خطر شخصي وتضحية كبيرة. ومنذ تأسيس هذه الجائزة في عام 2007، منحت وزارة الخارجية الجائزة لأكثر من 120 امرأة لأكثر من 65 دولة مختلفة. وترشح البعثات الدبلوماسية الأميركية في الخارج امرأة شجاعة واحدة من الدول المضيّفة لكل منها. ويتم اختيار المرشحين النهائيين واعتمادهم من قبل كبار مسؤولي الإدارة.
وتضم قائمة هذا العام نساء من افغانستان وغواتيمالا وهندوراس وايطاليا وكازاخستان وتايلند وكوسوفو وموريتانيا ورواندا. وبعد حفل توزيع الجوائز الرسمية والاجتماعات التي ستُعقد في واشنطن العاصمة، ستقوم لجنة الجائزة بتكريم النساء بالقيام برحلة الى مدن أميركية مثل أوستن، و كليفلاند، ودالاس، وغيرها. وسوف تضيّف المنظمات والشركات الأميركية تلك النساء وتناقش معهن الستراتيجيات والأفكار المطلوبة لتمكين النساء في الولايات المتحدة وخارجها. وسوف تجتمع الفائزات في لوس أنجلوس، لحضور حفل ختامي قبل العودة إلى بلدانهن الأصلية.
وتعود قصة المرأة العراقية الشجاعة (أم قصي) الى عام 2014، عندما تلقّى ابنها خالد إسماعيل، مكالمة من صديق له كان يقاتل في صفوف الجيش العراقي، يخبره فيها أن الارهابيين من عناصر داعش يحاصرونه هو وخمسة جنود آخرين، حينها لم تتردد والدته في اتخاذ القرار الصائب. وأمرت ابنها باصطحاب شقيقته في سيارته وقيادتها عبر 50 كم من أراضي العدو لإنقاذهم.
ووجود شقيقته كان لسبب واحد: هو أن عناصر داعش يتغاضون عن توقيف السيارات التي تقلّ النساء. وتحوّلت والدته بعملها هذا الى بطلة شعبية.
تقول عليّة الجبوري، المعروفة باسم أم قصي:"أخبرت خالداً بأنه عليك أن تذهب - فالعراق يحتاج إلى أبنائه".
وقررت إرسال أبنائها في مهمة الإنقاذ الخطرة، ومن ثم قامت بإيواء 64 جندياً في منزلها.
وفي بلد ممزق بالعنف الطائفي، فإن المدنيين الذين يخاطرون بحياتهم من أجل الغرباء من طائفة مختلفة، يمنحونه بصيصاً من الأمل في عراق موحد. وتعتبر أم قصي، وهي أرملة فقيرة تنتمي الى قبيلة الجبور، و قُتل زوجها وابنها الأكبر على يد عناصر تنظيم داعش، رمزاً للروح الوطنية والتضحية بالنفس.
وفي حزيران 2014، قام التنظيم بارتكاب مجازر بحق الجنود العراقيين وقتل المئات منهم ورمى جثثهم في نهر دجلة.
وقد تمكنت مجموعة مكوّنة من 850 مقاتلاً، من الفرار من قاعدة سبايكر العسكرية ووجدوا أنفسهم عالقين على الجانب الآخر من النهر في ناحية العلم، وقام رجال قبيلة أم قصي من الجبور، بنقلهم بواسطة الزوارق إلى مناطق آمنة، وعلى بعد 50 كم من نهر دجلة، كان اولئك الجنود الستة أكثر عرضة للخطر.
قامت عشرات العائلات في ناحية "العلم" بإيواء الجنود لمدة 16 يوماً بينما كانت المدينة تقاتل داعش. واستسلمت البلدة في وقت لاحق، بعد قيام تنظيم داعش بأسر واحتجازعشرات العائلات كرهائن. ولكن قبل أن يسمحوا لعناصر التنظيم بالدخول، حرص سكان البلدة على التأكد من خروج 400 من الجنود العراقيين أحياءً. وهرب البعض من أفراد قبيلة الجبور خوفاً من عمليات الانتقام.
بعد مرور عام، ظهرت صورة (أم قصي) في مداخل البلدة. بعد تحريرها، ودعاها رئيس الوزراء حيدر العبادي إلى بغداد ليشكرها، وقدّم لها مبلغَ 15000 دولار نقداً وحلياً ذهبية.
وكان الزوّار يتدفقون باستمرار إلى (أم قصي) التي سكنت منزلاً قدّمه لها مجلس المدينة. حيث تستضيف زعماء القبائل والمسؤولين العسكريين الذين يأتون لشكرها، ويسألونها عما يحتاجه الناس، ويطلبون بركاتها.
يقول الشيخ علي السوداني، وهو رجل دين شيعي من بغداد ومدير مكتبها:"ظهرت (أم قصي) في وقت صعب للغاية في محاولة لتخفيف التوتر الطائفي من خلال أفعالها وتضحياتها"."وعلى الرغم من فقرها، فقد اهتمت بعدد كبير من الجنود".
وبسبب جذورها العائلية المتواضعة - لم تلتحق أم قصي بالمدرسة أبداً وتزوجت في سن الثالثة عشرة -.
وتقول إن الشهرة جلبت معها مسؤوليات كبيرة. ويتم تمويل مكتبها من خلال التبرعات، وتحولها الى مساعدات توزّعها على المحتاجين. أما أبناؤها الذين عادوا إلى الجيش والشرطة العراقيين لمحاربة داعش، فلم يتسلموا رواتبهم لمدة عام.
وتقول أم قصي"يأتي الناس إليّ إذا كانوا يريدون وظائف حكومية أو يريدون العودة إلى عملهم في الشرطة. وتضيف:"الناس الذين ليس لديهم شيء يأكلونه يأتون إليّ".
وتمتلك هذه المرأة إرادة حديدية، ففي سن الثالثة عشرة، رفعت أم قصي دعوى قضائية ضدّ شقيقها، بعد أن طالبها بالزواج من رجل أكبر منها سناً.
قبل عامين، من احتلال داعش لمدينة تكريت، كان زوجها في الحقل مع ابنه الأكبر وابن عمه عندما أطلق النار عليهم عناصر داعش، ثم دهسوا جثثهم بشاحنة.
غالباً ما يكون دور النساء في المجتمع العشائري المحافظ غير مرئي وغير مسموع. لكن دور (أم قصي) وابنتها في عمليات الإنقاذ، يظهر أنه يمكنهما لعب دور قوي في منزلهما في العلم. يمنع شقيقها التقاط أيّ صور لأخته ميادة، التي تعمل خياطة. وكانت تجلس بهدوء، بينما يتكلم إخوانها. لكنَّ إخوانها يقولون إنها تمتلك أيضاً نفس إرادة أمها الحديدية.
وعلى الرغم من أن خالد وشقيقته ذهبا لجلب الجنود الستة، إلاّ أن ابنها خالد يوضّح أن (أم قصي) كانت وراء ذلك."كانت فكرة أمي"، ويقول."لو كان كل العراقيين مثلها، لما ظهر تنظيم داعش".
عن كريستيان ساينس مونيتور
(أم قصي) تُمنح جائزة الشجاعة لعام 2018
نشر في: 24 مارس, 2018: 06:26 م