adnan.h@almadapaper.net
عدنان حسين
جاء في الأخبار أنّ لقاءً جرى الأسبوع الماضي بين رئيس محكمة استئناف بغداد الرصافة الاتحادية القاضي ماجد الأعرجي ونقيب نقابة الصحفيين. وبحسب المركز الإعلامي لمجلس القضاء الأعلى فإن اللقاء "بحث التعاون المشترك بين المؤسسة القضائية والأسرة الصحفية في ما يخصّ قضايا النشر والإعلام".
وجرت الإشارة إلى أنّ رئيس الاستئناف "تطرّق الى أن رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي فائق زيدان وجّه المحاكم بانتداب خبراء متخصصين في مجال الإعلام في قضايا القذف والتشهير"، وأنّ النقيب من جهته دعا مجلس القضاء الأعلى "الى مفاتحة النقابة لترشيح صحفيين كخبراء في دعاوى النشر والإعلام".
ما مِنْ مشكلة في أن يجتمع أيٌّ كان مع أيٍّ كان، ولا في ما يقال ويُطرح ويُقترح في اللقاءات، فما مِن أحد يمتلك الأمكنة والفضاء (نظام صدام - كما كلّ الانظمة الشمولية - كان يتصرّف بوصفه مالك الفضاء والأمكنة، والأرواح أيضاً)، لكن من نوافل القول إنه ما مِنْ أحد في مهنة ما يمثّل ناس المهنة كلّهم حتى لو كان نقيباً لنقابة تتعلّق بهذه المهنة.
الأسرة الصحفيّة في العراق كبيرة، ونقابة الصحفيين لا تمثّل هذه الأسرة بأجمعها، فثمّة نقابات واتحادات ومنظمات أخرى تعمل في هذا الميدان، وثمة أيضاً المئات من الصحفيين الذين اختاروا ألاّ ينتموا إلى أيّ من هذه النقابات والاتحادات، وهذا حقّ مُطلق لهم، فالانتماء إلى النقابات والاتحادات وسائر منظمات المجتمع المدني اختياري، وما مِن سلطة لأحد لإرغام صحفي على الانتماء إلى أيّ من هذه النقابات والاتحادات والمنظمات، وعدم انتماء الصحفي إلى نقابة أو اتحاد ليس مبرِّراً لحرمانه من حقوق وامتيازات مقرَّرة لجنس الصحفيين.
قانون حقوق الصحفيين رقم 21 المُشرَّع في العام 2011 كرّس هذا في مادته الأولى، ففيما كان مشروع القانون المرفوع من الحكومة يُعرِّف الصحفي بأنه عضو نقابة الصحفيين استجاب مجلس النواب لاعتراضات واحتجاجات الكثير من الصحفيين الذين وجدوا في نصّ كهذا انتهاكاً لمبادئ الدستور وأحكامه، فجرى تغيير صفة الصحفي إلى أنه "كلّ من يزاول عملاً صحفياً وهو متفرّغ له"، بحسب منطوق المادة الأولى من القانون.
انتداب خبراء متخصصين في مجال الإعلام في قضايا القذف والتشهير التي تنظرها المحاكم أمر محمود للغاية، لكنّه سيكون من الخطأ الكبير جداً جعله حِكراً على جهة بعينها، فثمة الكثير من الخبراء المتخصّصين موجودون خارج النقابة، في النقابات والاتحادات والمنظمات الصحفية والإعلامية الأخرى وفي كليات الإعلام الموزّعة على أرجاء البلاد.
لم يعُد العراق دولة الحزب الواحد والرجل الواحد والنقابة الواحدة.. نحن في زمن الحرية والديمقراطية والحقوق المتكافئة. النقابة، أي نقابة، لا تشكّل حصانة من الوقوع في الخطأ، ولدينا تجربة حيّة هي تجربة نقابة الصيادلة التي ضُبِط نقيبها وأعوان له يتاجرون بالأدوية الفاسدة مستغلّين صفتهم النقابيّة. ونقابة الصيادلة ليست النقابة الوحيدة المضروبة بالفساد، فعلى صورتها توجد نقابات واتحادات عدّة.
القضاء عنوان العدل، والعدل يقتضي أن تتحرى السلطة القضائية إمكانية انتداب خبراء متخصصين في مجال الإعلام للاستعانة بهم في قضايا القذف والتشهير، في الفضاء الصحفي والإعلامي الرحب غير المُقيَّد بقيود أيّ نقابة.