علي ناصر الكنانيمن بين الأسرار والقضايا التاريخية التي ذكرها لنا ذات مرة المؤرخ والوثائقي الرائد الأستاذ سالم الالوسي في احد اللقاءات معه التي حرص على تدوينها وذكرها في كتاباته الخاصة قضيه واجهت العلامة الراحل الدكتور مصطفى جواد الذي تربطه به
علاقة وثيقة تمتد في زمنها لسنوات طوال, وهي انه خلال اضطلاع أستاذه العلامة جواد بمهمة تعليم وتدريس الملك فيصل الثاني عندما كان طفلا وسببت له كما يقول الالوسي: الحرج كثيرا عندما كان يسأل عن أسباب انقطاعه عن تعليم الملك فيصل وعدم استمراره بهذه المهمة الشاقة والصعبة حسب وصفه رحمه الله) وبقية أسرارها خافية عن الكثيرين من أصدقائه وزملائه المقربين إليه , إلى جانب كونها استأثرت باهتمام الكثير من المؤرخين والكتاب الذين دأبوا على تدوين سيرته وجهوده وأثاره . لقد كان البعض منهم يحاول معرفة الأسباب التي تقف وراء ذلك الانقطاع المفاجئ عن تدريس الملك, وهل كان ذلك رغبة منه أو استبعادا له واستغناءا عنه , لقد كان اعتذار الدكتور جواد وامتناعه عن قول الأسباب الحقيقية التي تقف وراء ذلك لكونه يعد ذلك من الأمور المحرجة التي تتصل بالأسرة ألملكية ولا يجوز البوح بأسرارها الخاصة وهذا ما تقتضيه الأصول والتقاليد فكثيرا ما كان يقول الأستاذ الالوسي باللجوء إلى المرونة والمراوغة يعزوها إلى ظروفه العائلية الصعبة وان تعليم الملك سيشغله عن البحث والدرس والتأليف ويشير الالوسي بأنه في أحدى زياراته لمسكن العلامة جواد الذي كان يقع في منطقه الدورة آنذاك برفقة صديقه الدكتور عبد الهادي التازي سفير المغرب في بغداد آنذاك الذي انتهز الفرصه وسأل الدكتور عن هذه القضية فأجاب بأنه لم يفصح عن هذا الأمر منذ أكثر من ثلاثين عاما ولكن خدمة للتاريخ سأضطر للإفصاح عن الحقيقة والكشف عنها . فناولني من مكتبته فرزة أو (ملزمه) مطبوعة من كتاب (شعراء العراق في القرن العشرين ) المطبوعة سنه 1969 لمؤلفه الدكتور يوسف عز الدين سكرتير المجمع العلمي العراقي آنذاك , وفي هذهألملزمة دون العلامة مصطفى سيرته وحياته بقلمه وأهداها لي والتي ماازال احتفظ بها في مكتبتي الخاصة واعدها من الوثائق الادبيه النادرة.. المهم إن من بين ما ذكره الدكتور جواد فيها انه في سنة 1942 دعي لتعليم الملك الصغير فيصل الثاني اللغة العربية ولما قرر أهله دراسته في إنكلترا أمرت والدته باستصحابه معهم فلم يكن امامه إلا القبول , ويصف العلامة جواد الملك في تلك الفترة بأنه كانت تظهر عليه ألمسكنة في طلب حاجاته ألمدرسية , وكان يشكو من ذلك .. فقال له ذات مرة ما نصه (أنت ملك.. فقل لهم هاتوا كذا وكذا فلا يستطيعون رفضا) , فلما قال لهم بلهجة الأمر (هاتوا كذا وكذا ) قالوا ليس هذا أسلوب كلامك , فمن علمك هذا النوع من الطلب ؟. فهو لضعف ملكة الاستقلال في نفسه . قال لهم : الذي علمني ذلك مصطفى جواد , فحقدوا عليه وأعادوه إلى التدريس في الدار العليا في أخر السنة خوفا من تربيتي كما يقول الدكتور جواد بإذكاء روح الاستقلال في نفسه. ما نود الإشارة إليه هنا هو إننا لا ندري لماذا لا تسارع القنوات التلفزيونية والفضائيات إلى تصوير وتسجيل جوانب من التاريخ الشفاهي والوثائقي على لسان من بقي حيا من مؤرخينا ووثائقيينا الذين لاشك إن ذاكرتهم مازالت تختزن الكثير من الأسرار والحكايات والاحداث من تاريخنا العراقي المعاصر والتي أحيانا قد لا نجدها في بطون الكتب ولعل ذلك فرصة سانحة إمام هذه الفضائيات بالإسراع باغتنامها قبل فوات الأوان .
من اوراق سالم الالوسي ..لماذا تخلى مصطفى جواد عن تدريس الملك؟
نشر في: 18 إبريل, 2010: 04:39 م