خيري العمري لم تعرف مجالس بغداد في اواخر العهد العثماني واوائل الحكم البريطاني محدثا لبقاً كالمرحوم "عبد المجيد الشاوي" عرف بالفكاهة اللاذعة والنكتة الرائعة والرويات الطريفة والملح النادرة يرويها في لباقة تستثير الاعجاب وتبعث على الدهشة..
فكان صالونه في جانب الكرخ يزدحم عشية كل مساء بالزائرين على اختلاف أعمارهم الشباب والكهول والشيوخ على تضارب نزعاتهم محافظين ومتجددين وعلى تباين ميولهم الحزبية "اتحاديين" و"ائتلافيين" و"تقدميين" و"شعبيين" يتوافدون الى مجلسه بشوق ولاعجب في ذلك فقد كان الشاوي يفهم النكت ويجيد ايرادها ويحفظ النادرة ويتألق في سردها ويروي من الاخبار اطرفها وينشد من الاشعار اعذبها.. اكسبه تردده الكثير على مجالس بغداد واختلافه الدائم الى أنديتها ومحافلها واطلاعه الواسع على الادب العربي والمامه بطريفه وتليده، بارعة في ادارة الحديث كما رزقه الله فطنة عميقة تلتفت الى متناقضات النفس البشرية وتتسلل الى مكامن الشعور وحيل العواطف التي تتوارى بها خلسة بعيدة عن الانظار فيظهرها بارزة بشكل يبعث على الضحك ويدعو الى القهقهة...وقد أحلته هذه الموهبة مكانة مرموقة بين الناس فكان محل اهتمامهم وموضع عنايتهم فاذا تحدث في حفل اصغى الجالسون الى حديثه واذا اراد الكلام وهو في مجلس النواب اسرع رئيس المجلس فقدمه على غيره من من طلب الكلام قبله....ولقد لقبه بحق (معروف الرصافي) بـ "سيد الظرفاء" ولم يكتم الاديب الكبير المرحوم (امين الريحاني) يوم جاء الى بغداد وراح يطوف في مجالسها ويتعرف على معالم النهضة الجديدة فيها اعجابه الجديد بشخصيته التي شبهها بشخصية السياسي الافرنسي كليمنصو من حيث ذكاؤها المتأجج وسلوكها الشاذ البسيط وقد وصف في كتابه ملوك العرب اول لقائه بالشاوي فقال(...كان اول اجتماعي به فاتحة الحب والاعجاب لم يزرني في الفندق ولم يسع الي في غير مكان مثل غيره من الاخوان ولكنه قال عندما تصافحنا:نحن ابناء عم وليس بيننا واجب التجمل واللياقة فلم أفقه مراده ولم أتظاهر بعد ذلك فقال:انت ابن المعري وابن الخيام والاثنان اخوة وليس في الانساب اشرف من هذا النسب اهنئك واهنئ نفسي..فقال احد الحضور ولكن المعري كان متقشفاً الى حد النسك فأجابه مجيد على الفور لزوم ما لا يلزم ونحن كذلك نتقشف الى حد الاضطرار فقال آخر: والمعري يذم بنت الجان فأجاب الشاوي: والخيام يمدحها وهي تستحق الاثنين الذي ينقص المعري يكمله الخيام هما خير الرسل رسولان صادقان كريمان سويان. * * * كنت اريد ان اتحدث عن نسب الشاوي ونشأته الاولى في بغداد وتعليمه على يد العالمين احمد الشاوي وعبد الحميد الشاوي ومزاولته نظم الشعر في بعض المناسبات وملازمته لآثار ابي العلاء المعري وانكبابه على دراستها والتأثر بها كان لها أثر بالغ قاده الى ترجمة بعض روائعه الى اللغة التركية ودعا البعض الى تسميته (بشيخ المعريين)..وكنت اريد ان اعرض الى حياته في الاستانة حيث ذهب اليها واقام فيها كنائب يمثل لواء العمارة في مجلس المبعوثان حتى بعد ان زالت هذه الولاية من رقعة الدولة العثمانية العلية واستولت عليها الجيوش البريطانية، كنت اريد ان اعرض لذلك كله، ولكن مجال الصحيفة السيارة لايتسع الى ذلك فآثرت ان اترك الامر الى فرصة اخرى واكتفي بأن اقتطف للقارئ بعض الملح الطريفة التي وقعت للمرحوم مجيد الشاوي في حياته البرلمانية.حدث مرة عندما كان الشاوي نائبا في مجلس المبعوثان ان زلت قدمه اثناء هبوطه السلم في دار المرحوم (محيي الدين الكيلاني) بالاستانة فكسرت يده اليمنى فخف الى زيارته (احمد رضا) رئيس مجلس المبعوثان ليتفقد صحته ولما استوضحه عن سبب الحادث اجاب الشاوي بتهكم لاذع: افندم يمكن الله سبحانه وتعالى اراد ان ينتقم من يدي اليمنى لأنني كثيراً ما كنت ارفعها بالتصديق عندما تقدم جنابكم لائحة ما للتصويت!! واتفق مرة ان قام احد الشيوخ في مجلس النواب العراقي واخذ يتلو خطبة تحريرية تتضمن واجبات النائب تجاه منطقته الانتخابية ولزوم احترامها ثم اخذ يصف لهم كيف قام هو بواجباته تلك فأخذ يشرح جولته في المنطقة بتفصيل مسهب متنقلا من قرية الى قرية ومن قصبة الى قصبة بسيارته متفقدا اوضاعها الزراعية ولما كان النظام الداخلي لايسمح ان يتكلم النائب تحريريا اكثر من 5 دقائق حاول المرحوم عبد المحسن السعدون رئيس المجلس ان يسترعي انتباه النائب الى ذلك ثلاث مرات الا ان النائب استمر في خطبته ولم يلتفت فضاق السعدون ذرعاً ولما حاول ان يعيد الكرة عليه اسرع مجيد الشاوي يصيح: دعه يتكلم لنسمع رحلة ابن بطوطة!فخجل النائب وسكت!وفي زمن وزارة المرحوم جعفر العسكري الثانية حدث ان قدمت الحكومة لائحة قانون جباية الجسور ورسوم الذبحية فحددت رسوما على ذبح الحيوانات تختلف مقاديرها باختلاف نوع الحيوان فللمعز نسبة وللجاموس نسبة وللبقر نسبة اخرى وعندما وضعت اللائحة على بساط البحث في المجلس اعترض بعض النواب على ما ورد من غموض
وجوه عراقية ..عبد المجيد الشاوي
نشر في: 18 إبريل, 2010: 04:44 م