TOP

جريدة المدى > عام > مهرجاناتنا الثقافية ينقصها التنظيم وتغلب عليها الارتجالية

مهرجاناتنا الثقافية ينقصها التنظيم وتغلب عليها الارتجالية

نشر في: 7 إبريل, 2018: 05:45 م

زينب المشاط

حضرت سابقاً، ولا أزال أحضر بحسب طبيعة عملي طبعاً العديد من المؤتمرات والمهرجانات والندوات الثقافية والفنية، وقد لاحظتها في الغالب " بائسة " واضع هذا التقييم مُتغاضيةً عن المادة الأدبية والفنية التي يقدمها المهرجان، وصابّةً تركيزي على تنظم المهرجان الشكلي من حيث العناية بالأتكيت، والبروتوكول، وتفاصيل فريق التشريفات "إن وجد في مهرجاناتنا" والعناية بأسلوب الضيافة وإتقانها، وتنظيم فقرات المهرجان، وعريف أو عريفيّ الحفل، وغيرها من تفاصيل، يسبقها الدعوات وطرق توزيعها، والترويج للمهرجان قبل أيام من اقامته وكيفية ارسال الدعوات الى المدعويين، وما الى ذلك من تفاصيل تصب جميعها في بودقة " كيف ننظم مهرجاناتنا؟"
وفي الواقع كانت نسبة 90% من مهرجاناتنا الفنية والثقافية وحتى المؤتمرات الاجتماعية والعلمية والعملية والسياسية شبه بائسة التنظيم إن لم تكن بالفعل بائسة...

هذا ما يخلق تساؤلاً في داخلنا، ليفرض التساؤل نفسه مع تكرار الأخطاء، دون معالجة، أو دون تعلم من أخطاء سابقة، هل نحن لا نمتلك فرقاً تنظم المهرجانات لهذا نقع دائما في خطأ سوء التنظيم هذا ؟ اطلقت المدى تساؤلا عن هذه الموضوعة التي تمثل نوعاً من الجانب الثقافي المجتمعي المعني بمستوى تنظيم المهرجانات، حيث تحدثنا للسيدة أحرار زلزلي وهي اعلامية وصاحبة شركة مختصة بتنظيم المهرجانات وأكدت زلزلي قائلة " لدينا الكثير من فرق التنظيم وخاصة تلك المتصلة بمنظمات المجتمع المدني، إلا أن ما يؤسف قوله أن الوزارات والمؤسسات بدأت تُشكل أقسام خاصة بتنظيم المهرجانات ضمن مؤسساتها مقابل راتب شهري، لكي لا تلجأ لفرق خارجية لتنظيم المهرجان."
قد يكون تأسيس قسم لتنظيم المهرجانات شيء جيد، ولكن لماذا لا نلمس منجز هذا القسم خلال المهرجان أو المؤتمر الذي تقيمه هذه الدائرة أو تلك ، تذكر زلزلي "أن الفرق ومع شديد الأسف التي تشكلها المؤسسات والوزارات هي فرق غير مختصة، وبالتأكيد بعد أن يقام مهرجان هذه الوزارة لن تطعن بمستوى التنظيم والاداء، رغم انتقاد الحضور وعدم رضاهم عن مستوى التنظيم إلا أن الوزارة او المؤسسة لن تقلل من مستوى ما قدمته ولن تعترف بفشلها في إدارة المهرجان على سبيل المثال."
نتساءل هنا إن كان الشخص الذي يدير المهرجان غير مختص فما الضير من تهيئة هؤلاء الأشخاص للادارة والتنظيم من خلال محاضرات تقدمها الوزارة مجاناً لقسم تنظيم المؤتمرات والمهرجانات، وهنا أكدت زلزلي قائلة "قبل مدة طلب مني تقديم محاضرة عن كيفية تنظيم المهرجانات في إحدى مؤسسات الدولة ولكني رفضت لأن الأمر لا يتعلق بمحاضرة أو محاضرتين، الموضوع يعتمد على ميل صاحب هذه المهنة، وموهبته وقدراته الابداعية إضافة الى ممارسته واحترافيته في ذلك."
ما هي الخسائر التي قد يسببها سوء تنظيم المهرجان يا ترى؟ هل سيتسبب مثلاً بفشل المهرجان حتى وإن كانت مادة المهرجان جيدة؟ تذكر زلزلي أن " سوء التنظيم بالتأكيد لن يتسبب بالفشل الكلي للمهرجان، لعدّة أسباب أولها أن المقيمين على المهرجان أدّوا الغرض المنشود من المهرجان وهو عرض الافلام أو المسرحيات او تقديم موضوعات سياسية او اقتصادية او غيرها بحسب تخصص المهرجان، والسبب الثاني أن مجتمعنا للاسف لا يمتلك ثقافة تنظيم المهرجان او معرفة بهذا الجانب، فلن ينتبه أغلب الحاضرين على سوء التنظيم هذا، سوى بعض الشخصيات المثقفة والتي لها فهم في هذا الامر ستنتبه على الثغرات."
أما الخسائر المادية التي ستكون ضحية فشل التنظيم فتقسم الى عدة فقرات منها جلب أفراد غير مختصين، وتنصيبهم كمسؤولين في قسم تنظيم المهرجانات والمؤتمرات في دوائر حكومية أو وزارات او مؤسسات، وبراوتب ثابتة ، هذا سيؤدي الى خسارة في ميزانية الدولة، فهؤلاء الافراد سيستهلكون رواتب ثابتة، وحين يقام المهرجان ستخصص لهم ميزانية ثابته للمهرجان فقد، وقد يؤدي سوء تنظيمهم الى عدم ادارة المهرجان ماليا بشكل جيد وبدوره تؤدي الى تضييع وإسفاف في ميزانية المؤسسة او الوزارة، وليس هذا فحسب حيث تذكر زلزلي " أن وجود قسم خاص لتنظيم مهرجان وزارة او مؤسسة ما من شأنه أن يؤدي الى عرقلة ابداع الافراد المنظمين "في حال كانوا مختصين" حيث أن الابداع في مجال تنظيم المهرجانات بحاجة الى تنويع في المجال المقام من اجله المهرجان كأن يكون فنياً او ثقافياً او سياسيا او اقتصاديا او علمياً وغيرها ليتمكن المنظم من الابداع في كل مجال مع اختلافه، اما اذا كان المهرجان اقتصادي دائما او فني دائما وسينظمه ذات الافراد فسنجد أن ابتكارهم وتفاعلهم سيقل حتى ينضب."
هل نحن بحاجة الى الاستعانة بجهات خارجية منظمة؟ تذكر زلزلي "أن بعض مؤسساتنا لجأت لمنظمين من دول اخرى كعرب او اجانب وهذا أمر خاطيء ايضاً لأننا نمتلك طاقات مختصة في مجال تنظيم المهرجانات وهذه الطاقات "اي العراقية" من شأنها ان تقدم لنا تنظيماً جيداً بكلف اقل بكثير مما قد يقدمه الاجانب او العرب الذين غالباً ما يزيدوا الامر سوءً."
بين المرأة والرجل، أيّهما أجاد في تنظيم المهرجانات تذكر زلزلي وقد تكون متحيزة لجنسها "إن النساء يُجدن تنظيم المهرجانات أكثر من الرجال وهذا ليس بسبب القدرات والامكانيات التي تتمتع بها النساء، فحسب، بل أضف الى ذلك أنه لو كان منظم المهرجان رجل، والضيوف الحاضرون من الرجال سيكون الاحتكاك بينهم غير مقبول، أما في حال تكون المنظمة امرأة سيتقبل الرجال حديثها وتوجيهاتها بعض الشيء."
أما عن الندوات الثقافية البسيطة، وقد تكون احياناً مؤتمرات ضخمة، فتذكر أنها في السابق كانت أكثر تميزاً كمهرجان المربد مثلاً، أو مؤتمرات القصة، أو ندوات التراث الشعبي، حيث يتحدث لنا الباحث التراثي باسم عبد الحميد حمودي والذي كان مسؤولا عن تنظيم هذه الجلسات والندوات في السابق قائلاً "في فترة ندوات التراث الشعبي كنا ننظم ندوة بغداد للتراث الشعبي وكنا نكلف كتاب أن يقدموا لنا موضوعات ونحدد محور للندوة أو المؤتمر، ونراسل المختصين بهذا الأمر وكنا نخلق منهج ممتاز وننظمه حتى اننا كنا قادرين ان نستقطب كتاب من كل دول العالم فيما نقدمه من مهرجانات او مؤتمرات او ندوات."
وتحدث لنا حمودي عن اختلاف موضوعة الندوات والمهرجانات كما ذكر أنه " عام 1978 أقيم في صلاح الدين مهرجان مختص بكتابة القصة وحضر فيها عدد من المختصين، وفي الواقع تميز هذا المهرجان بتنظيم عالٍ لسبب مهم وهو إن المنظمين جهات مختصة."
الاختصاص، إذاً هو الامر المسؤول بالدرجة الاولى عن حسن تنظيم المهرجان حيث يذكر حمودي إن "الأمر لا علاقة له بأن يكون المنظم امرأة او رجل، بل أن يكون مختصاً فقط." مؤكداً "إننا أيضاً لا نحتاج الى فرق كبيرة وانما نحن بإمكاننا أن نقيم مهرجاناً ممتازاً بامكانات بسيطة."
يبدو إن الوضع الراهن مسؤول عن التهاوي الحاصل في كل شيء وليس في المهرجانات فحسب، يذكر الاعلامي ومدير المهرجانات السابق عبد العليم البناء قائلاً "في الوضع الراهن الحالي انعكس الاضطراب وعدم الدقة وعدم وضع الشخص المناسب في المكان المناسب حتى على تنظيم أي مهرجان وبات كل من هب ودب يقيم مهرجاناً أو يتدخل في اقامة مهرجان."
في كل دول العالم المتحضرة كان العراق سباق في مستوى تنظيم المهرجانات يذكر البناء أن " مهرجاناتنا كانت على درجة عالية من التنظيم، بعض مهرجاناتها الدولية المعروفةحققت حضوراً مهماً على الساحة الابداعية."
مهرجانات اليوم حاولت ان تكون امتداداً لتلك المهرجانات المتألقة كما ذكر البناء، إلا إنها وكما أكد البناء "لم تستطع أن تكون بمستوى التنظيم أو نوعية المشاركين من حيث الفكر او الثقافة او الابداع لهذا نجد ان أغلب مهرجاناتنا باتت شوهاء وتنعكس بسلبية على المجتمع." مشيراً أن "القائمين على المهرجانات ليسوا من ذوي الاختصاص وانهم يعكسون فقط الجهات التي ينتمون لها ومعظمها جهات غير مختصة مبنية على المحسوبية."
وجود مادة جيدة لا تعني نجاح المهرجان أو المؤتمر، فالدقة بالتنظيم والعناية بالتفاصيل من شأنها بالدرجة الاولى الارتقاء بمستوى المهرجان حيث أكد البناء " أن قلة التنظيم بالتأكيد ستؤدي الى فشل ذريع وليس فشل محدود لأنك عندما تقدم أكلة طيبة على طبق غير نظيف تكون الأكلة غير صالحة للتناول ، وللأسف معظم القائمين على هذه المهرجانات يفتقرون للفعالية والذوق ."
من المؤسف أن نجد أن معظم المهرجانات اليوم هي ذات جعجعة اعلامية خالية من الحضور الابداعي لدى المواطن العراقي وحتى الفئة المشاركة بالمهرجان، ورغم ذلك نجد بعض المهرجانات التي أقيمت مؤخراً كانت نوعية وغير مشمولة بهذه العشوائية كمهرجانات مؤسسة المدى ، ومهرجان 3 دقائق في 3 أيام الذي اقيم بطاقات شبابية بحتة وكان مهرجاناً جيداً.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

موسيقى الاحد:أريش فولفغانغ كورنغولد

صورة سيفو في مرآة الوهايبي

"مُخْتَارَات": <اَلْعِمَارَةُ عِنْدَ "اَلْآخَرِ": تَصْمِيمًا وَتَعْبِيرًا > "لِوِيسْ بَاراغَانْ"

"حماس بوينس آيرس" أول مجموعة شعرية لبورخس

علي عيسى.. قناص اللحظات الإبداعية الهاربة

مقالات ذات صلة

بورخيس،هايزنبرغ وإيمانويل كانت
عام

بورخيس،هايزنبرغ وإيمانويل كانت

أدار الحوار: مارسيلو غلايسر* ترجمة: لطفية الدليمي ما حدودُ قدرتنا المتاحة على فهم العالم؟ هل أنّ أحلامنا ببلوغ معرفة كاملة للواقع تُعدُّ واقعية أمّ أنّ هناك حدوداً قصوى نهائية لما يمكننا بلوغه؟ يتخيّلُ مؤلّف...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram