TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناديل: عن (الإعداد) في الترجمة

قناديل: عن (الإعداد) في الترجمة

نشر في: 7 إبريل, 2018: 05:48 م

 لطفية الدليمي

ليست قليلةً تلك الكتب المترجمة التي يضع مترجموها على غلافها عبارة ( ترجمة وإعداد ) ، وقد بلغ الأمر عندي مبلغ أن أتحسّب وأتوجّس خيفة من كون تلك الأعمال منطوية على مثالب بسبب ذلك الإعداد الترجمي ، والتوجس عندي مسوّغٌ مشروع لسببين : الأول هو معايشتي الميدانية والمهنية لفضاء الترجمة ومايصاحبها من مكابدات ومشقات مضنية عندما عملت محررة في مجلة ( الثقافة الأجنبية ) العراقية ، وأما السبب الثاني فهو عملي في حقل الترجمة ذاته لسنوات طويلة ، وقد أتاح لي هذا قراءة الكثير من المصنّفات الترجمية والتعرّف على أسماء مترجمين عديدين وأعمالهم ، و تتيح المعرفة المهنية كشف جوانب مخفية يستكشفها العقل المنتبه الذي يقرأ قراءة مدققة هي غير القراءة المسترخية التي يسعى لها المرء بغية المتعة الخالصة .
أعود لعبارة ( ترجمة وإعداد ) العتيدة هذه فأقول : الترجمة فنّ مثلما هي أخلاقيات عمل ، وهي - مثل أية مهنة سواها - تقوم على قاعدة أخلاقيات وأعراف عمل حتى لو كانت غير مكتوبة لكنّها راسخة عالمياً ويعمل الجميع على هدي مبادئها التي لاتقبل الزيغ او الإنحراف و تحمل الترجمة بصمة المترجم وروحه في نهاية المطاف ، وليس ذلك بالأمر المعيب أو المنقصة غير المحمودة ؛ إذ كم قرأنا ترجمات مختلفة لعمل واحد بذاته إختلفت القيمة الترجمية فيه إختلافاً مشهوداً تسبّب في خفوت صيت ترجمة وإعلاء شأن أخرى ، وليس كتاب ( الإستشراق ) للراحل ( إدوارد سعيد ) ببعيد عن الذاكرة !! .
لست معنية هنا بجودة الترجمة وأدوات المترجم التي كُتِب عنها الكثير ؛ وإنما أتوجّه بالتحديد لموضوعة ( أخلاقيات الأمانة الترجمية ) : كلّ كتاب يعتزم المترجم ترجمته هو أمانة ووديعة إستودعها مؤلفه بين يديه ، ومانرجوه من المترجم الحفاظ على هذه الوديعة بأقصى قدراته الممكنة ، ويتحدد حفظ الوديعة في تجنّب الحذف أو الملاعبة أو الإستطراد أو التعبير عن النص المترجم بطريقة يجري معها إسقاط فكر المترجم ورغباته المسبقة على النص المترجم ، وقد يجري الأمر لدى المترجم مجرى التيار الجارف والأهواء غير المنضبطة التي لايستطيع لها دفعاً ، وفي هذه الحالة يتوجّب عليه وضع أمانة الوديعة المترجمة ماثلة أمام عينيه كلّما راوده هذا الهوس الشخصي الجارف في إسقاط أفكاره على المادة المترجمة .
أعود لعبارة ( إعداد وترجمة ) فأجدها قد تنطوي على ( مراوغة ) سايكولوجية وقانونية يّراد التعكّز عليها متى ماوُجِد في النصّ المترجم إختلافات كبيرة تحيد به عن الأصل ، ولعلّ عبارة ( إعداد وترجمة ) في وقتنا الحاضر هي النظير المعاصر الملطّف لعبارة ( ترجمها بتصرّف ) شديدة الوقاحة التي كانت سائدة فيما مضى . كيف يجوّز البعض لنفسه التصرّف بوديعة فكرية بين يديه ؟
قرأت منذ شهور نصاً في كتاب مترجم في حقل معرفي هو في صميم إهتماماتي ، وهالني أن أقرأ في موضع منه حشداً من المفردات التي تذكّرنا بالكتابات النقدية السائدة لدينا ، وعندما عدتُ لمطابقة النصّ المترجم مع النص الأصلي أوجعتني الرخاوة التي تصرّف بها المترجم مع النص ، والكمّ الفاحش من إسقاطاته الذاتية عليه .
الأمانة هي الأساس في الترجمة ، والإضافة مقبولة إذا ماكانت مسوّغة ومؤشّرة بنسبتها للمترجم لأجل إثراء النص ؛ أمّا الحذف والتلاعب والإجتزاء الكيفي وحرف المعنى عن أصله فتلك مثالب مستهجنة مرذولة .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق منارات

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: ماذا يريدون؟

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

العمود الثامن: صنع في العراق

 علي حسين اخبرنا الشيخ همام حمودي" مشكورا " ان العراقي يعيش حاله من الرفاهيه يلبس أرقى الملابس وعنده نقال ايفون وراتبه جيد جدآ ، فماذا يحتاج بعد كل هذه الرفاهية. وجميل أن تتزامن...
علي حسين

قناطر: في البصرة.. هذا الكعك من ذاك العجين

طالب عبد العزيز كل ما تتعرض له الحياة السياسية من هزات في العراق نتيجة حتمية لعملية خاطئة، لم تبن على وفق برامج وخطط العمل السياسي؛ بمفهومه المتعارف عليه في الدول الديمقراطية، كقواعد وأسس علمية....
طالب عبد العزيز

تشكيل الحكومة العراقية الجديدة.. من يكون رئيس الوزراء؟

إياد العنبر يخبرنا التراث الفكري الإسلامي بأن التنظير للسلطة السياسية يبدأ بسؤال مَن يحكم؟ وليس كيف يحكم؟ ولعلَّ تفسير ذلك يعود لسؤالٍ مأزومٍ في الفقه السياسي الإسلامي، إذ نجد أن مقالات الإسلاميين تبدأ بمناقشة...
اياد العنبر

هل الكاتب مرآةً كاشفة للحقيقة؟

عبد الكريم البليخ لم يكن الكاتب، في جوهره، مجرد ناسخ أو راوٍ، بل كان شاهداً. الشاهد على لحظةٍ تاريخية، على مأساةٍ إنسانية، على حلمٍ جماعي، وعلى جرحٍ فردي. والكاتب الحقيقي، عبر العصور، هو ذاك...
عبد الكريم البليخ
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram