سعيد الديوه جي rnفي وسط مدينة الموصل جامع كبير، هو ثاني جامع بني فيها، وهو قبلة الزوار والرحالين فالقادم الى الموصل تدهشه المنارة الطويلة المائلة الى الشرق، المزينة بالزخارف الاجرية الجميلة وهي اعلى منارة في العراق، يبلغ ارتفاعها ستين متراً.
وتعد من اعاجيب فن البناء. فقد مضى عليها ثمانية قرون، وهي قوية محافظة على ما فيها من الزخارف العربية المتقنة. تقع هذه المنارة في الجامع النوري – الجامع الكبير –وهو من الجوامع الكبيرة المشهورة في العالم الاسلامي. بناه نور الدين محمود بن عماد الدين زنكي (541-569 هـ =1155 -1173)م ، ونور الدين من اعظم ملوك القرون الوسطى ، اشتهر ايضا بحبه للعمران والاصلاح، فبنى عدة جوامع كبيرة ومدارس ودور مرضى (بيمارستانات) في كثير من بلاد سورية والجزيرة، ولم يزل اكثرها باقياً الى اليوم يشهد بفضله واحسانه. وهو اول من بنى دارا حديثا في الاسلام. كان مشهورا بزهده عن اموال الدولة، يرضى بالعيش الخشن، فكان كأحد الناس في طعامه وثيابه. وهو اول من بنى "دار العدل" فكان يجلس فيها يومين من كل اسبوع، ويحضر العلماء والفقهاء، ويسمع لكل مظلوم يتقدم اليه، فينصف الضعيف من القوي. كان يحكم الموصل ابن اخيه سيف الدين غازي بن قطب الدين مودود بن عماد الدين زنكي (565 -576هـ) وكان هذا ضعيفا مغلوبا على امره، فقد تسلط على البلاد وزيره فخر الدين عبد المسيح، ولم يبق لسيف الدين سوى الاسم، واساء السيرة في اهل الموصل، فشكى المواصلة امرهم الى نور الدين محمود، فسار بجيش كثيف الى الموصل، فاحتلها وقرر شؤونها وولى بها من يثق بصدقه للبيت الاتابكي، واستصحب معه فخر الدين الى الشام، كان هذا عام 566هـ . وفي اثناء اقامته في الموصل زار المدارس والمساجد ورأى بأنه لايوجد في هذه المدينة الكبيرة سوى جامع واحد وهو الجامع الاموي، وان المصلين يلاقون ضيقاً عند اداء صلاة الجمعة ، ومن الضروري بناء جامع كبر في وسط المدينة ، خاصة انه كان في وسط المدينة خربة كبيرة مهملة ، فسار نور الدين بنفسه الى الخربة وامر بان يضم اليها مما يجاورها من الدور والحوانيت وذلك بعد شرائها من اصحابها بأوفر الاثمان، ووجد بأن خير رجل يقوم بهذا العمل الخيري بصدق وامانة هو شيخه (عمر بن محمد الملاء) ففوض اليه امر العمارة والصرف، وقال لاصحابه: "اذا وليت العمل بعض اصحابي من الاجناد او الكتاب، اعلم انه لايظلم في بعض الاوقات، ولايبنى الجامع بظلم رجل مسلم، واذا وليت هذا الشيخ، غلب على ظني انه لايظلم، فاذا ظلم كان الاثم عليه لا علي". باشر عمر الملاء في عمارة الجامع عام 566 هـ =عام 1170 م فابتاع الحرية وما يجاورها من الاملاك بأوفر الاثمان. وجمع امهر البنائين والمهندسين والفنانين والعمال وكان هو نفسه يملأ تنانير الجص، واستمر العمل به الى عام 568 هـ -فكان آية في الفن والابداع، لما يحويه من النقوش البنائية والهندسية في الجبس والرخام، والكتابات المختلفة المحفورة في جوانبه الداخلية، والمصابيح النحاسية والمطعمة بالذهب والفضة، والابواب المحفورة المزخرفة.ووصفه ابو شامة المقدسي، بانه "صار اليه النهاية في الحسن والابداع". ورأى من المستحسن ان يبني في فنائه الواسع مدينة لكي يجمع بين العلم والعبادة واي عبادة افضل من طلب العلم؟ وعين في المدرسة مدرسا، وخصص لمن يعلم ويتعلم فيها ما يكفيهم. وفي عام 568 هـ قدم نور الدين الموصل ، وفرش جامعة بالبسط الثمينة، واوقف له اوقافا كثيرة لادامة بنائه، ولمن يقوم بأمره من المستخدمين، وصلى الجمعة فيه، وسجد لله شكراً على ان وفقه لاتمام هذا الجامع الجليل، وبلغ ما صرف عليه ثلاثمئة الف دينار.وبينما كان نور الدين جالساً على دجلة، قدم اليه عمر الملاء دفاتر الصرف وقال له: يا مولاي اشتهي ان تنظر فيها. فقال له نور الدين: "يا شيخ عملنا هذا لله، فدع الحساب ليوم الحساب، واخذ الدفاتر ورماها في دجلة. وهكذا فان لنور الدين الفضل في بناء هذا الجامع الجليل، الذي يمتاز بما فيه من الاثار النفيسة. ومما يؤسف له ان هدم المصلى قبل بضع سنوات وبني اصغر مما كان عليه واعيدت فيه الاساطير القديمة التي كانت فيه، كما بني فيه المحراب النفيس الذي كان قد نقل اليه من الجامع الاموي قبل سبعين عاما، والمحراب آية في الفن عمل عام 543 هـ. واما المحراب الذي كان في مصلى الجامع النوري، فانه نقل مع الزخارف الجبسية الى بغداد، وحفظ في متحف القصر العباسي. rnمجلة اهل النفط العدد 58 عام 1956
أعلى منارة في العراق.. الجامع النوري في الموصل
نشر في: 18 إبريل, 2010: 04:46 م