TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناديل: سعيدٌ مَنْ تكون أفكاره هي مهنته!

قناديل: سعيدٌ مَنْ تكون أفكاره هي مهنته!

نشر في: 14 إبريل, 2018: 05:52 م

 لطفية الدليمي

بابا علماء الرياضيات البريطانيين : هذا هو مايُلقّب به السير (مايكل عطية) المتحدّر من أصول عربية (من جهة أبيه) والمعروف بإنجازاته الرياضياتية المبهرة التي أهّلته للحصول على أهمّ جائزتين عالميتين في حقل الرياضيات : جائزة فيلدز وجائزة أبل ؛ فقد ساهم الرجل بمساهمات ثورية في ميدان إيجاد أرضية مشتركة بين الرياضيات والفيزياء سعياً وراء نظرية المجال الموحّد الكبرى .
قرأتُ مؤخراً حواراً موسّعاً معه في إحدى المواقع الالكترونية المهمّة ، وكان من جملة ماإستوقفني ملاحظة ذكر فيها أنّه عندما بلغ مرحلة الدراسة الجامعية راح يقلّب الأمور فيما عساه يمكن أن يصلح له كمهنة مستقبلية : كان أبوه المزهوّ بتعليمه الاكسفوردي وثقافته الأرستقراطية يريد له دراسة الطب أو القانون في أكسفورد أو كامبردج ؛ لكنه كان يخطّط لغير ماكان يريد له أبوه . يروي السير (مايكل عطية) في ثنايا حواره الجميل كيف إختار الرياضيات لتكون ميداناً لدراسته الجامعية المقبلة لكون دراستها لاتستلزم سوى الأفكار والشغف وحزمة من الأوراق والأقلام فحسب ، ويؤكّد إنه أراد فرعاً معرفياً يتيح له التعايش مع أفكاره طول الوقت وليس بعضه فحسب ، ومن الجميل أنه يؤكّد على دور الأحلام في تشكيل العديد من أفكاره الرياضياتية المهمّة ؛ فهو يرى أنّ الأحلام تتيح للعقل التحرّر من قيود المحدّدات الفيزيائية البيئية والإنطلاق نحو عوالم حرّة غير مقيّدة .
ليست الرياضيات نسيج وحدها في كونها أفكاراً يمكن للمرء أن يتعايش معها في كلّ أطوار حياته وفي صحوه ومنامه ؛ بل ثمة الكثير من الإشتغالات المعرفية الأخرى : الفيزياء والفلسفة والأدب والفن ، والحقّ أنّ العديد ممّن إمتلكوا قدرة ثورية طاغية على الإتيان بالتغيير إنّما كانوا في معظمهم فيزيائيين ورياضياتيين وفلاسفة وأدباء وفنانين ، وليس عسيراً التحقق من صدقية هذه الرؤية عبر الرجوع إلى حيثيات التأريخ البعيدة منها والقريبة على حدّ سواء .
يمتلك الأشخاص المخلصون لأفكارهم والمتعايشون معها بتناغم وانسجام سمتين إثنتين كفيلتين بجعلهم أشخاصاً رؤيويين ذوي بصيرة ثورية نزّاعة للتغيير الإيجابي الذي يحدِثُ فرقاُ نوعياً كبيراً يرقى إلى مصاف الإنعطافات التأريخية ، وتلك السمتان هما : الشغف والشجاعة . أما الشغف فهو بمثابة كنز لانهائي لايفتأ يتجدّد معينه من القدرة الحركية الدافعة لإستكشاف ممكنات التغيير وآفاقه المحتملة ، وأمّا الشجاعة فهي المنبع الذي يمنح المرء الثقة في مواصلة طريقه بكلّ عزم حتى لو بدا للآخرين أنّ عوامل الفشل والإحباط تغلب عوامل النجاح والأمل .
ثمّة في حوار السير (مايكل عطية) مصداق مؤكّد لهاتين الخصيصتين ؛ إذ يقول إنّه بعد أن تجاوز الثمانين راح يفكّر في جوانب تقنية لطالما تجاهلها سواه (وهو يقصد على وجه التحديد إدخال تأثير الجاذبية في الفيزياء دون الذرية) ، ثمّ يضيف بأنّه شغف بهذه المسألة منذ أزمان بعيدة وقد جاء الوقت ليختبر رؤية شغفه متحققاً على أرض الواقع ، ثمّ يضيف لاحقاً بأنّ الأمر يستلزم قدراً غير عادي من الشجاعة لأنّ الشباب في العادة يحجمون عن تناول الموضوعات البحثية البعيدة عن (الموضات) السائدة تحسّباً لفقدان مصادر تمويلهم ؛ لكنه يردف قائلاً : لاشيء أخافه اليوم ؛ فقد حصلت على أهم الجوائز في ميداني وبلغت سنّاً لم أعد أخشى فيه التصريح بما أحبّ .
ليتنا نملك بعض شغف وشجاعة مايكل عطية إذن لكنّا غيّرنا الكثير!!

 

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق منارات

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: ماذا يريدون؟

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

العمود الثامن: صنع في العراق

 علي حسين اخبرنا الشيخ همام حمودي" مشكورا " ان العراقي يعيش حاله من الرفاهيه يلبس أرقى الملابس وعنده نقال ايفون وراتبه جيد جدآ ، فماذا يحتاج بعد كل هذه الرفاهية. وجميل أن تتزامن...
علي حسين

قناطر: في البصرة.. هذا الكعك من ذاك العجين

طالب عبد العزيز كل ما تتعرض له الحياة السياسية من هزات في العراق نتيجة حتمية لعملية خاطئة، لم تبن على وفق برامج وخطط العمل السياسي؛ بمفهومه المتعارف عليه في الدول الديمقراطية، كقواعد وأسس علمية....
طالب عبد العزيز

تشكيل الحكومة العراقية الجديدة.. من يكون رئيس الوزراء؟

إياد العنبر يخبرنا التراث الفكري الإسلامي بأن التنظير للسلطة السياسية يبدأ بسؤال مَن يحكم؟ وليس كيف يحكم؟ ولعلَّ تفسير ذلك يعود لسؤالٍ مأزومٍ في الفقه السياسي الإسلامي، إذ نجد أن مقالات الإسلاميين تبدأ بمناقشة...
اياد العنبر

هل الكاتب مرآةً كاشفة للحقيقة؟

عبد الكريم البليخ لم يكن الكاتب، في جوهره، مجرد ناسخ أو راوٍ، بل كان شاهداً. الشاهد على لحظةٍ تاريخية، على مأساةٍ إنسانية، على حلمٍ جماعي، وعلى جرحٍ فردي. والكاتب الحقيقي، عبر العصور، هو ذاك...
عبد الكريم البليخ
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram