ثائر صالح
اعتاد الكثيرون وضع تسلسل لأجمل الأعمال الموسيقية استناداً الى اتفاق النقاد، أو حسب ذوقهم ووفق معايير يضعونها، قد تكون ذاتية وشخصية في بعض الأحيان. كما دأبت محطات الراديو (بالخصوص البريطانية والأميركية) على استفتاء المستمعين بشأن أجمل الأعمال الموسيقية. هناك محطات راديو تستفتي المستمعين وتخرج بلائحة من مئة عمل موسيقي تقدمها بعدئذ تباعاً في برامجها، وهو شكل آخر من برنامج "ما يطلبه المستمعون". من أشهر هذه التصنيفات ما قيل عن أن أجمل كونشرتات الكمان، هي التي كتبها مؤلفون تبدأ أسماؤهم بحرف الباء، يقصدون بيتهوفن وبرامز. لكن ماذا عن كونشرتو الكمان الرائعة التي كتبها مندلسون والتي لا تستقيم مسابقات الكمان العالمية دونها؟ وماذا عن اخريات غيرها مثل كونشرتو الكمان لتشايكوفسكي أو ماكس بروخ أو رائعة جان سيبيليوس وغيرهم.
نفس الشيء يقال عن أجمل كونشرتات البيانو، فهناك اتفاق عام على اعتبار كونشرتات بيتهوفن (الخامسة تحديداً، والتي اسميت بالامبراطور)، وثانية رخمانيوف وأولى تشايكوفسكي وثانية شوستاكوفيتش ووحيدة أدفارد غريك وكونشرتات موتسارت (20 و 21) وهايدن (رقم 11) وكونشرتو رافيل من أجمل الكونشرتات. في الحقيقة قد تطول اللائحة كثيراً، وهذا يعتمد أيضاً على ذوق المستمع كما ذكرت.
ذكرت كونشرتو النرويجي غريك (1843 – 1907) كواحدة من الأعمال الشهيرة. تعتبر هذه الكونشرتو التي كتبها بعمر الخامسة والعشرين أهم أعماله. كان وقتها يتردد كثيراً على الدنمارك بعد أن تخرج من كونسرفاتوار لايبزج الشهير، حيث تأثر بموسيقى روبرت شومان كثيراً وانطبع ذلك على أعماله لاحقاً.
يعد غريك المولود في مدينة برغن النرويجية أحد أهم ممثلي التيار القومي في الموسيقى السكندنافية الى جانب سيبيليوس الفنلندي. وقد انتعشت الحركة القومية في اوروبا وقتها، وتأثر الموسيقيون بها، فنهلوا من الموسيقى الشعبية ونلمس ذلك بوضوح لدى دفورجاك وسميتانا التشيكيين والموسيقيين الروس في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وتبلور ذلك لاحقاً عند الأجيال اللاحقة، بالخصوص جيل بيلا بارتوك وزولتان كوداي المجريين وآخرين كثيرين أسسوا علم الموسيقى الشعبية "الاثنوميوزيكولوجي" وقامو بتجميع ما تبقى من تراث غنائي وموسيقي شعبي وصنفوه ودرسوه.
قدم العمل في كوبنهاغن سنة 1868، وكان من المفترض أن يقدمه غريك على البيانو ألا أنه كان ملتزماً بتقديم حفل في اوسلو. يبدأ العمل بسلسلة سريعة من ضربات التمباني (الطبول) تليها جملة لحنية نازلة مميزة على البيانو تهيأ الساحة لما سيأتي من الحان غنائية تارة ودرامية أحياناً اخرى خلال الحركات الثلاث. ولم يستعمل غريك الألحان النرويجية الشعبية إلا في الحركة الثالثة.
حصلت الكونشرتو على اهتمام الموسيقي الكبير فرانس ليست، وكان يشجع الموسيقي النرويجي الشاب كثيراً. ويعود الفضل لليست في ازدياد الاهتمام بهذا العمل الجميل.
من أعماله الجميلة الاخرى نذكر متتابعة بير غينت (كتبها في الأصل كموسيقى مصاحبة لمسرحية الكاتب النرويجي الشهير هنريك إبسن)، وأعمال جميلة للبيانو، وكان عازفاً جيداً على هذه الأداة.