adnan.h@almadapaper.net
عدنان حسين
ما جفّْ، بَعدُ، الحبر على الورق الكثير الذي طُبِع عليه "ميثاق الشرف الانتخابي" ، ولا تلاشت تماماً أصداء الكلام الذي قيل فيه وعنه، وهو كلام انطوى على الكثير من التوكيد والتشديد على التعهّد بالتزام بنوده وأحكامه.
مع ذلك فإن الميثاق الذي وقّعه الكثير من القوى المنخرطة الآن في الحملة الانتخابية، وفي مقدمها القوى المتنفّذة في الدولة على مدى الخمس عشرة سنة الماضية، قد تعرّض للانتهاك الواضح قبل الموعد الرسمي للحملة الانتخابية ثمّ للانتهاك الصارخ بعد الشروع بها.
الموقّعون على "ميثاق الشرف" أخذوا على عاتقهم، بشهادة الأمم المتحدة الراعية للميثاق، الالتزام بـ 24 من التعهّدات. خذوا مثالاً هذه الثلاثة التي قال أولها بـ "احترام وتعزيز حقوق الجميع الديمقراطية في التنافس الشريف والحر..... "، وقال الثاني بـ "رفض العنف بكلّ أشكاله والتصدّي لأيّ ظاهرة أو ممارسة تهدف إلى تمزّق وحدة الصف والوحدة الوطنية، والعمل بروح الفريق الواحد والتزام القوانين النافدة للتصدّي لأيّ ظاهرة تؤثر على سلامة العملية الانتخابية"، فيما وعد الثالث بـ " التصرف كرجال دولة، واحترام المتنافسين في الانتخابات بعضهم بعضاً، ذلك بالابتعاد عن أساليب التسقيط والتشهير والتجريح، وأن تركّز الحملات الستراتيجية والبرامج على مصالح العراق العليا".
مراسيم التوقيع جرت بالعاصمة بغداد في 28 الشهر الماضي في أجواء احتفالية بهيّة وبهيجة،افتُتحت بالنشيد الوطني وبآيات من القرآن تلاها ممثل إحدى القوى المتنفّذة ، بيد أنّ بعض القوى الموقّعة، وبخاصة المتنفّذة، كانت قد خرقت نظام الحملة الانتخابية ببدء دعايتها حتى قبل يوم التوقيع الذي كان يفصل بينه وبين يوم الموعد الرسمي لانطلاق الحملة أسبوعان.
هذه القوى أعطت الآذان الطرشاء للاحتجاجات من جانب القوى السياسية الأخرى والنشطاء والمنظّمات المدنية والإعلام، وكذا فعلت مفوضيّة الانتخابات التي لزمت جانب السلامة بالاكتفاء بالتحذير والرجاء، مع أنّ القانون يمنحها سلطات ردع قويّة .. لكن مَنْ يقوى على مناطحة الثيران الكبيرة؟!
لم تقف الأمور عند هذا الحدّ، فالجيوش الإلكترونية تحرّكت في الحال في عمليات تسقيط شنيعة، جرت فيها فبركة الأخبار الكاذبة والمحرّفة وأفلام الفيديو التي استهدفت خصوصاً مرشحات نساء .. الجيوش الإلكترونية هذه إنما تقف وراءها القوى المتنفذة نفسها التي أدركت أن الانتخابات الوشيكة لن تكون هذه المرّة في صالحها تماماً وغير محقّقة لأطماعها.. نقول إنها تابعة للقوى المتنفذة الوالغة في الفساد الإداري والمالي طوال الفترة المنصرمة، لأنه ليس في وسع أحد غيرها الإنفاق بهذا النحو الباذخ على الجيوش الإلكترونية.
هذه الحملة التسقيطية، أظهرت مرة أخرى، وعلى نحو فاقع أكثر من ذي قبل، أن القوى المتنفّذة في العملية السياسية الجارية منذ 2003، لا ذمّة لها ولا ضمير ولا شرف .. حملتها هذه تعكس إلى أيّ مدى بلغ الانهيار القيَمي، الاجتماعي والسياسي، في هذه الدولة التي تقودها جماعات الإسلام السياسي... والآتي قد يكون أعظم!