TOP

جريدة المدى > عام > عن تجربة المخرج الفنلندي رايمو أولافي نيمي

عن تجربة المخرج الفنلندي رايمو أولافي نيمي

نشر في: 25 إبريل, 2018: 06:24 م

يوسف أبو الفوز
ربما هي الصدفة من قادتني الى لقاء المخرج الفنلندي رايمو اولافي نيمي (مواليد 1948) . حصل ذلك عام 1998 ، بعد ايام من مشاهدتي فيلما من اخراجه، هو "تومي والقط الوحشي" ، الذي ينتمي الى ما يسمى بالأفلام العائلية، التي برع بها المخرج، والتي يكون ابطالها عادة حيوانات وتعالج موضوعة الصراع بين الخير والشر، ضمن حبكة درامية فيها شيء من المغامرة. كان الفيلم مبهراً في عرض الطبيعة الفنلندية، بلقطات عريضة طويلة، تصحبها موسيقى ساحرة، ومن وجهات نظر مختلف الشخصيات بما فيهم القط الوحشي، ولم يلجأ المخرج، وبأغراء من جمال الطبيعة، لتقديمها على شكل بطاقات بريدية سياحية، بقدر ما تشعر أن هناك دراسة متينة للتشكيل اللوني تتناسب مع حركة الكاميرا وهي تجوس في الشتاء الفنلندي الموشح بالبياض وتتبع أبطال الفيلم في علاقتهم مع الثلج الشفاف والقاسي والرياح التي لا ترحم. وفاجأتني صديقة تعمل في التلفزيون إنها صديقة للمخرج، فرتبت لي بسهولة موعداً معه، لأجد أمامي في مقهى وسط العاصمة، هلسنكي، يتنتظرني رجلاً فارع الطول، رشيقاً، أشقر، بشوارب تصلح لأدوار أفلام الويسترن، وحين اخبرته بذلك أطلق ضحكة مدوية.
حدثني رايمو اولافي نيمي بأنه ولد في قرية شمال العاصمة هلسنكي ،وكان أبوه عاملاً، ونشطاً في الحزب الديمقراطي الاجتماعي اليساري، الذي في الخمسينيات من القرن الماضي ، قرر تحويل قاعة الاجتماعات التي يملكها الى قاعة للعروض السينمائية : " وبحكم كون والدي صار مشرفاً على القاعة أصبحت أمتلك حق الدخول مجاناً، بل ورؤية كل فلم لأكثر من مرة ".
في عام 1966 وكان لايزال في الدراسة الثانوية، حدث وأن شاهد فيلم (لكمة تحت الظهر) للمخرج الفنلندي ميكو نيسكنين (1929–1990)، الذي كان للتو عائد من الدراسة في موسكو، وصار هذا المخرج يدعو في لقاءاته الصحافية الى تقديم أفلام بنوعية تختلف عن السائد في الحياة السينمائية الفنلندية، حيث كان التمثيل يتم باسلوب مسرحي والمواضيع متكررة وسطحية. وفي فيلم نيسكنين الذي مثله ممثلون شباب لازالوا تلاميذ في المعاهد المسرحية والسينمائية، قدم قصة أربعة شباب، شابان وفتاتان يذهبون للغابة وشرح الفلم العلاقات الإنسانية وعلاقة الإنسان بما حوله : " أعجبت بالفيلم جدا، يومها وقررت أن أعمل في السينما، وبالطبع كنت أرغب في أن أكون ممثلاً". يقول أولافي نيمي.
في المدرسة الاعدادية عمل اولافي نيمي في الصحافة الطلابية، في البدء كان محرراً، وثم اصبح رئيساً لتحرير الصحيفة الطلابية لكل محافظة لاهتي، وفي نفس الوقت شارك في أعمال مسرح المدينة ولعب ادواراً بسيطة. وحصل في عام 1968 أن حضر الى مدينة لاهتي المخرج ايركو كيفي كوسكي (1936 ــ 2005) لتصوير فيلمه ( القطة الساخنة)، وكان الفيلم يدور عن علاقة طالب مع معلمته، التي تعاني من الوحدة بعد فشل في حياتها العاطفية، بينما يعاني الطالب من مشاكل شرب الكحول، واذ تحاول المعلمة دراسة حالته وبالتالي مساعدته سرعان ما تجد نفسها قد انقادت الى علاقة عاطفية وجسدية تحاول الفكاك منها. كان المخرج كيفي كوسكي بحاجة الى كومبارس للفيلم، فحضر الى مسرح المدينة وبعد اختبارات، اختار بعض الطلبة وكان اولافي نيمي من ضمنهم ، وحصل أن اسند له دوراً صغيراً ليكون أول ظهور له على شاشة السينما : "بعد هذه التجربة صار كل شيء واضحاً لي، وحددت طريقي في الحياة ". قال اولافي نيمي بحماس.
بعد التحاقه بالجيش، لجأ الى العمل في صحافة الجيش، ونظم نادياً للسينما في وحدته العسكرية، وتدرج في العمل الصحفي فصار يعمل في الصحافة المركزية للجيش، وفي الجيش التقى بالشخص الذي صار من أفضل اصدقائه وهو المخرج والسيناريست تومي يوهاني (1948)، وما جمعهم هو تعلقهما بالسينما، وكان أن انتجا عملهما السينمائي الأول بدعم من منظمات الطلبة اليسارية وبحماس ثوري ، لكن لم تتح لهم فرصة عرضه، لكن الفيلم كان تجربة من خلالها انطلق للعمل في التمثيل في السينما والتلفزيون. وعن طريق الحزب الشيوعي الفنلندي ، حصل على زمالة دراسية في موسكو للفترة 1980 ـ 1986 ، حيث درس السينما على يد أساطين السينما الروسية، وكانت سنوات مهمة في حياته ، يقول : " اذ صقلت شخصيتي وثقافتي بشكل جيد وهناك تعرفت على ثقافات مختلفة، وكان لدي زملاء من بلدان عربية وامريكا اللاتينية ، ومن بلدان اخرى" .
وإذ عاد الى فنلندا بعد نهاية دراسته، كتب سيناريو مسلسل تلفزيوني (وتزهر ارض الثلج الدائم) من خمس حلقات، اخرجها يوكا سبيلا (1936 ـ 2004) وفيها تم تقديم قصة قرية فنلندية من الثلاثينيات حتى منتصف السبعينيات وما جرى من أحداث وتأثيرات ذلك على حياة الناس ، وحاز المسلسل نجاحاً جماهيرياً ، اعقبه ذلك كتابة وإخراج مسلسلات ناجحة اخرى . في 1988 انجز فيلما تلفزيونيا، ساعة ونصف، وثم عمل فيلما تاريخيا بعنوان ( ملاك مدينة اولو ) وحاز الفيلم على ثناء النقاد، ففتح له الباب أمام شاشة التلفزيون ، فأخرج العديد من الاعمال التلفزيونية وواصل الإخراج والتمثيل للسينما، وكانت له مساهمات في عدة مهرجانات دولية وترشيحات لجوائز. وحصل فيلمه "اللطيف ورجل السماء" عام 2002 على جائزة أفضل فيلم قصير في مهرجان بلدان الشمال الأوروبي .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

إردوغان عن دعوة أوجلان إلى إلقاء السلاح: "فرصة تاريخية"

ترامب: زيلينسكي غير مستعد للسلام

حكمان عراقيان لقيادة نهائي كأس آسيا للشباب في الصين

إيران تعلن الأحد المقبل أول أيام شهر رمضان

وزير الكهرباء الأسبق: استيراد الغاز من إيران أفضل الخيارات

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

النوبة الفنيّة أو متلازمة ستاندال

صورة الحياة وتحديات الكتابة من منظور راينر ماريا ريلكه

علاقة الوعي بالمعنى والغاية في حياتنا

وجهة نظر: كيف يمكن للسرد أن يحدد الواقع؟

تخاطر من ماء وقصَب

مقالات ذات صلة

علاقة الوعي بالمعنى والغاية في حياتنا
عام

علاقة الوعي بالمعنى والغاية في حياتنا

ماكس تِغمارك* ترجمة وتقديم: لطفية الدليمي بين كلّ الكلمات التي أعرفُها ليس منْ كلمة واحدة لها القدرة على جعل الزبد يرغو على أفواه زملائي المستثارين بمشاعر متضاربة مثل الكلمة التي أنا على وشك التفوّه...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram