adnan.h@almadapaper.net
عدنان حسين
ها هي دولة أخرى تقدّم لنا نفسها مثالاً وأنموذجاً لما تتحلّى به الطبقة السياسية، الحاكمة والمعارضة سواء بسواء، من إعلاء للوطنية وتقديم مصلحة الوطن والشعب على المصلحة الحزبية والشخصية.
زعيم الحزب الجمهوري الحاكم ورئيس الوزراء في جمهورية أرمينيا سيرج سركسيان، وهو رئيس دولة سابق، اختار أن يركن الى العقل والحكمة ويقدّم استقالته نزولاً عند رغبة الشارع الذي شهد تظاهرات على مدى عشرة أيام طالبت بعدم استمراره في الحكم بسبب الفشل الذي مني به، وبتولية زعيم المعارضة نيكول باشينيان السلطة خلفاً له في هذه الجمهورية التي، لمن لا يعرف، تقع على مرمى حجر من العراق، فلا يفصل في ما بينها وبيننا غير تركيا من جهة وإيران من جهة أخرى.
سركسيان لم يكتف بتسليم مفاتيح الحكم إلى خليفته من دون مقاومة، وإنما أيضاً وجّه كلمة إلى شعبه قال فيها:"أتوجه إليكم بالحديث للمرة الأخيرة وأقول إن نيكول باشينيان، زعيم المعارضة، كان صائباً، وأنا أخطأتُ!".
قبل هذا كان الحاكم الأرميني قد حاول المناورة والمداورة للبقاء على رأس السلطة، لكنّه إذ أدرك أن استمراره يمكن أن يقود البلاد الى اضطرابات عامة، وربما يتسبّب في انقلاب عسكري، فقد وضع الوطن ومصلحته والشعب ومستقبله أمام عينيه وقرّر الإذعان لمطالب الثورة المخملية التي اجتاحت أرمينيا. هذه الثورة اندلعت على خلفية تردّي الاوضاع في البلاد في عهد سركسيان، فقد تفشّى الفساد الإداري والمالي وارتفعت مستويات التضخم والبطالة والفقر وزادت الأسعار وتردّى نظام الخدمات العامة، على النحو الذي نعاني منه هنا في العراق منذ ما يزيد على عشر سنين.
هذا التصرّف من حاكم، مثل رئيس الوزراء الأرميني، لا يمكن وصفه إلا بالوطني والحكيم والمسؤول. وهذا بالطبع يخالف تماماً سلوك أفراد الطبقة السياسية المتنفّذة في العراق الذين إن وصل الواحد منهم الى السلطة تشبّث بها بأظافره وأسنانه وأعلن أنه لا يعطيها، أو سعى إليها، وهو خارجها، بكلّ الوسائل والسبل حتى الرديئة والدنيئة منها، كما هو حاصل في الحملة الانتخابية الجارية الآن المصروف عليها عشرات ملايين الدولارات المسروقة من المال العام ومن حصة الفقراء والمعدمين في لقمة العيش الكريم وفي خدمات صحية وبيئية وتعليمية وبلدية أساسية.
هل يمكن لنا أن نكون ذات يوم مثل أرمينيا..؟!