TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناديل: جامعاتٌ تروّج المعرفة

قناديل: جامعاتٌ تروّج المعرفة

نشر في: 5 مايو, 2018: 06:09 م

 لطفية الدليمي

ربّما لاتخفى على الكثيرين تلك السلسلة من الكتب التي تتناول شتى العناوين المعرفية متبوعة بعبارة ( مقدّمة قصيرة جدّاً A Very Short Introduction ) : إنها سلسلة الكتب الذائعة الصيت التي لازالت جامعة أكسفورد العريقة مواظبة على نشرها منذ عقود عديدة ، ولاينبغي أن تذهب الظنون بالبعض فيتصوّرُ أنّ تلك المؤلّفات المختصرة محض تعريف مبتسر بالموضوعات التي تتناولها ؛ بل الحقّ أنّها تعتمد مقاربة جادة ورصينة هي أقرب إلى خارطة عمل معتمدة في كلّ تلك المؤلّفات يُرادُ منها تقديم مسح معرفي مختصر يلمّ بمعظم جوانب الموضوع المطروق ، ثمّ ينتهي الكتاب بقائمة مقترحة من المصادر والقراءات المنتخبة الثرية . لستُ هنا بصدد الدعاية أو إبداء إطراء بتلك السلسلة الرائعة ( ولو أنّ هذا الأمر ليس مدعاة لمثلبة أو خروجاً على عُرفٍ ثقافي أو مدوّنة سلوك جمعي ) ؛ لكني أقول أنّ هذه السلسلة لوحدها تكفي لجعل جامعة أكسفورد جديرة بإطراء الفضائل الأكاديمية التي تتمتع بها ، وممّا يدعو للعجب حقاً أن جامعة أكسفورد التي تأسّست ( هي وشقيقتها كامبردج ) مع بواكير القرن الثالث عشر ، وعُرف عنها التشدّد في المعايير الأكاديمية ذات القياسات النخبوية الصارمة ؛ لكنّ قروناً من الممارسة الأكاديمية والتفاعل مع متغيّرات العالم جعلت تلك الجامعة - وسواها كذلك - أقرب إلى اللاعب المؤثّر في صناعة تفاصيل الحياة اليومية والإشتباك مع العناصر المشكّلة للمشهد الثقافي في مجمل تلاوينه ، ولابأس من الإشارة هنا إلى وجود الكثير من مقدّمات أكسفورد المختصرة المُعرّبة متاحة بالمجّان على الشبكة الالكترونية بطريقة تفي بمتطلبات حقوق النشر ، وهي - كما أحسب - إحدى المناجم المعرفية الثرية لمن يبتغي حيازة معرفة مناسبة ورصينة في شتى مظانّ المعرفة .
ليست جامعة أكسفورد وحيدة في جهدها الساعي لنشر المعرفة وترويجها على أوسع نطاق ممكن ؛ بل هناك الكثير من الجامعات الرصينة سواها ، ومنها تجربة جامعة ييل الأمريكية التي دأبت منذ سنوات عديدة على نشر دراسات مختصرة في فروع معرفية محدّدة تحت عنوان جامع هو )( مختصر تأريخ ال ....... A Little History of) (…… )) ، وكم تمتعت بقراءة بعض تلك العناوين المثيرة .
إنّ ممّا يلفت النظر هو أنّ صناعة الترويج المعرفي ماعادت فعالية مقتصرة على المؤسسات الجامعية الأكاديمية ؛ فقد أصبحنا نشهد الكثير من السلاسل المعرفية التي تنشرها دور النشر العالمية الرصينة ، ومَنْ يتابع تلك الإصدارات يعرف حتماً بعض أهمّ تلك السلاسل وربّما يكون قرأ بعضاً منها .
المعرفة في وقتنا الحاضر غدت منتجاً إنسانياً ثقافياً ثنائي الأوجه ؛ فهي من جانب تمثّل جوهر الرأسمال الرمزي الذي تتشكّل منه الثقافة البشرية ، ومن جانب آخر هي سلعة مثل كلّ السلع تخضع لمؤثرات الترويج والدعم ؛ ولمّا كانت البشرية على بوّابة منصّة إنطلاق غير مسبوقة تجاه مستقبل واعد بالكثير من الممكنات - والكوارث - التقنية والعلمية فسيكون من المحتّم جعل تنويعات المعرفة متاحة للجميع وبخاصة في عصر العوالم الرقمية التي يسّرت تداول جميع أشكال المعرفة .
المعرفة قوّة ، وهي متطلّب أساسيّ للإرتقاء البشري مثلما هي حقّ طبيعي كسائر الحقوق المعتمدة للبشر ، ومالم تصبح المعرفة متاحة للجميع عبر جميع الوسائط الممكنة فلن يكون بوسعنا الحديث عن بيئة تحترم كلّ حقوق الإنسان ، وليت جامعاتنا وكلّ مؤسّساتنا الثقافية تعي هذا الأمر قبل أن تواجه حتمية الإنقراض والزوال .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق منارات

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: ماذا يريدون؟

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

العمود الثامن: صنع في العراق

 علي حسين اخبرنا الشيخ همام حمودي" مشكورا " ان العراقي يعيش حاله من الرفاهيه يلبس أرقى الملابس وعنده نقال ايفون وراتبه جيد جدآ ، فماذا يحتاج بعد كل هذه الرفاهية. وجميل أن تتزامن...
علي حسين

قناطر: في البصرة.. هذا الكعك من ذاك العجين

طالب عبد العزيز كل ما تتعرض له الحياة السياسية من هزات في العراق نتيجة حتمية لعملية خاطئة، لم تبن على وفق برامج وخطط العمل السياسي؛ بمفهومه المتعارف عليه في الدول الديمقراطية، كقواعد وأسس علمية....
طالب عبد العزيز

تشكيل الحكومة العراقية الجديدة.. من يكون رئيس الوزراء؟

إياد العنبر يخبرنا التراث الفكري الإسلامي بأن التنظير للسلطة السياسية يبدأ بسؤال مَن يحكم؟ وليس كيف يحكم؟ ولعلَّ تفسير ذلك يعود لسؤالٍ مأزومٍ في الفقه السياسي الإسلامي، إذ نجد أن مقالات الإسلاميين تبدأ بمناقشة...
اياد العنبر

هل الكاتب مرآةً كاشفة للحقيقة؟

عبد الكريم البليخ لم يكن الكاتب، في جوهره، مجرد ناسخ أو راوٍ، بل كان شاهداً. الشاهد على لحظةٍ تاريخية، على مأساةٍ إنسانية، على حلمٍ جماعي، وعلى جرحٍ فردي. والكاتب الحقيقي، عبر العصور، هو ذاك...
عبد الكريم البليخ
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram