باسم عبد الحميد حمودي
بدأ زكريا تامر(1932) حياته العملية حداداً,دون أن يستطيع الانتظام دراسياً ,لكن موهبته في الابداع نقلته من تطويع الحديد وتكسيره الى تطويع الكلمة ونقلها من المتداول المألوف الى الصادم الغريب .
منذ أول أعماله القصصية (صهيل الجواد الأبيض-1960) وزكريا تامريعمل وبشكل ممنهج على تغيير العمود المنطقي للسرد,وبناء نماذج مغايرة,رغم أن القوي فيها يستبيح الضعيف ( النمور في اليوم العاشر)و(دمشق ااحرائق ) وسواهما.
ويقدم زكريا تامر لعالم الطفل الكثير من الأعمال التي تستوجب التأمل ,والوقوف عندها موقف المتشائل المشروع,فهو لا يقدم في (لماذا سكت النهر ؟)مجموعة حكايات زاهية بأحداثها ,بل نماذج تشغل البال وتدع القارئ الصغير يفكر جاداً في النهر الذي يتكلم شاكياً وفي القائد سعد وهو يقف بديلاً لتمثاله وسط الساحة وغير هذا من نماذج وأحداث.
في مجموعته(تكسير ركب) التي تعد من أحدث أصداراته,يستمر زكريا في الروي والضجيج ,والأمعان في التجريب.
كتبه القصصية التسع السابقة قدمت نماذج للسرد المغاير المحتج الذي يصنع (احياناً ) عالماً افتراضياً غير مألوف كبديل للعالم الذي نحياه ,ولكن بعناوين و(هيئات ) وملامح لها أبوابها التي تعني عناوين القصص هنا.
في (تكسير ركب) يقدم ثلاثاً وستين قصة بأرقام دون غيرها, مواصلاً مشروعه السردي الكبير لا بصياغة (حدوتة) تحاكي الواقع,بل بقهره سرديا,وذلك بأستفزاز القارئ والاستجابةلأسوأ ما لديه :الاختلاف في الأولى,والذرائعية والقنوط في الرابعة,والكراهية غير المبررة في القصةالثالثة عشرة ,والخيانة الملونة بالسخرية في الثانية والعشرين,وضياع القيم عندما يفرح رئيس الجمهورية بمنحه الجنسية الاميركية في التاسعة والثلاثين وهورأس دولة معروفة وغير ذلك .
في ذات الوقت يعتمد زكرياعلى المفارقة الساخرة في عدد من القصص,ومن نماذجها السوداوية في النص 44 حيث يستمر (زهدي ) مرحاً ضاحكاً لأن نشرة الأخبار لاتحتوي زلازل وكوارث, في حين أن زوجته تحزن لأنها تنتمي الى مخاوفها وهواجسها ولا ترى في حياتها ما يدفعها للضحك والمرح .
في النص السردي رقم38 يستخدم زكريا تامر السحر الأسود ,أو هكذا يبدو المشهد السردي لديه هنا ,حيث تتهم أمرأة رجلاً بمطاردته وضربه,وهي تقف على مقربة من مشهد العقاب وهي تشعر أن الضربات موجهة لها أيضاً فتتوجع , والمفارقة الأكثر أدهاشا أن الرجل المعاقب يطالب بضربه على نحو أشد,لتكون معاناة المرأة التي شهدت عليه زوراً أكثر أيلاماً..
وتمضي الصورة السردية38 في مخيال وحشي مؤلم تتداخل في الأرادات على نحو أكثر صداما مع الواقع.
في النص الاربعين يتداخل تأثير الخيال والحلم بالواقع لدى (هاني ),فما يتمناه من سطوة وفحولة لايحدث لكن الضياع هو الحاصل والحادث.
وتبدو مشكلة أعادة تشكيل العالم كما يريد الإنسان عبر أحلامه مشكلة دائمة التواجد في سرديات زكريا تامر مع الكثير من لغة السخرية وسوء الظن بالآخر والضعف الأنساني ,ويتجلى ذلك في الكثير من النصوص هنا ,حيث تتكسر ركب الإنسان وهو يحلم ,ويضع لمخاوفه سدوداً من الأحلام والأمنيات لمحاصرة الآخر الاجتماعي الذي يحاصره (الحارة – الجيران – المرأة-المقهى – رب العمل) حيث يتمترس المحاصر الفرد بالأحلام ليثور على الآخر شفاهاً وخيالاً.
(تكسير ركب )ليست قصصاً مكتوبة بصياغة فنية عالية ,كما هو الأمر مع نصوص زكريا فقط,بل هي نصوص غير مسنودة بزمان ومكان , بمعنى لا هوية صارمة لها سوى هوية الانتماء للمجتمع الانساني في العالم العربي المحاصر بالخيبة في تحقيق أمنية ما ,أنها مساهمة جادة مليئة بالسخرية في كسح رتابة السرديات الفاشلة في أعمال آخرين!