TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > كلاكيت: تــروفــــو

كلاكيت: تــروفــــو

نشر في: 16 مايو, 2018: 07:09 م

 علاء المفرجي

تروفو حسب (مايلوس فورمان) قد جسد السينما الفرنسية في نظر عشاق السينما الاميركيين تماماً كما كان (فديريكو فيلليني) بالنسبة إليهم يمثل السينما الايطالية و(انغمار بيرغمان) يمثل السينما الاسكندنافية.. فقد مثل (تروفو بالنسبة للشباب الاميركي انموذجاً مثالياً للحرية والثقافة والاستقلالية خصوصاً بعد عام 1974 حين نال فيلمه (ليلة أميركية) جائزة الاوسكار كأحسن فيلم اجنبي وحقق نجاحاً باهراً في شباك التذاكر.. لكن واقع الأمر لم يكن وردياً ومشرقاً بهذه الصورة لأن نجاحه خارج حدود فرنسا بدا يسيراً مع ان مهنته السينمائية عانت صروف الدهر من حالات اليأس والابتهاج ولم تعرف الاستقرار إلا في السنوات القليلة الاخيرة قبل ان يفارق الحياة مبكراً وبشكل تراجيدي عام 1984 عن عمر ناهز الثالثة والخمسين حيث حقق في افلامه الثلاثة الاخيرة (المترو الأخير 1980) و(امرأة في الجوار 1981) و(أخيراً جاء يوم الاحد 1983) مسيرة متواصلة من النجاحات الفنية والمالية الباهرة.
وعندما نال الفيلم الروائي الاول لتروفو (الضربات الاربعمائة) جائزة أفضل مخرج في مهرجان كان عام 1959 أي بعد عام واحد من منع تروفو الناقد حسب ديفيد نيكولس- دخول هذا المهرجان ورد حينها على ذلك بنشر كتابات عديدة منها : (مهرجان كان.. احدى عشرة سنة من المكائد السياسية والفضائح الدعائية) اعتبر الجميع بأن فيلم تروفوكان دلالة على أن (الموجة الجديدة) التي كان تروفو إضافة الى غيره أحد فرسانها قد انتصرت ونصّبت تروفو زعيماً لها.. وقد نظر العالم الى جماعة (دفاتر السينما) بمن فيهم تروفو وشابرول وجاك دونول فالكروزيه وجان لوك غودار وجاك ريفيت وايريك رومر على أنهم نواة (الموجة الجديدة).. ولم يكف تروفو الناقد والسينمائي أبداً عن الدفاع عن تلك الموجة ومد يد العون لزملائه بدءاً بأيام المجد ولغاية الستينيات باستثناء غودار- والسبعينيات أما من الناحية الفنية فقد صمد تروفو منذ البداية كشخصية غير نموذجية (للموجة الجديدة) تماماً كما أدرك الناقدون المعادون الشيء ذاته.
في بداياته اتجه نحو صناعة الأفلام مكرساً جانباً لمسيرته النقدية وكتابته لصالح المجلة النقدية (دفاتر السينما) منذ عام 1953 وكيف أصبح أكثر نقادها تعنتاً وتشبثاً بالرأي مما اكسب المجلة هويتها الخاصة وسمعتها الهجومية في النقد واصبحت آراؤه محط الانظار من خلال نشرها وتميزه بالصراحة والحديث المباشر حول جوهر الموضوع دون تكلف أو مواربة ، وكانت النتيجة ان كتابات تروفو شقت طريقها الى القراء بشكل اقوى وغالباً ما تميزت مقالاته بسداد الرأي حين تجسدت لاحقاً في مهنته المستقبلية في صنع الافلام فقد كان تروفو يقوم دون دراسة بتحديد نمط الافلام التي أراد صنعها بنفسه من خلال نقد أعمال الآخرين.. ولهذا انفرد تروفو تقريباً بوضع اساس النقد في مجلة (دفاتر السينما) واطلق على هذا النمط من النقد عبارة (سياسة المبدعين) او (سياسة المؤلفين) والتي تبدلت فيما بعد الى كلمة (نظرية) بدلاً من (سياسة) باعتبار أن المسؤولية الأخيرة عن أي فيلم يتحملها المخرج الذي ينبغي أن يبقى صادقاً مع فيلمه وجمهوره وبالتالي مع نفسه.. وغالباً ما وصف تروفو وحسب ديفيد نيكولس- بأنه (فيلسوف مبادئ أخلاق السينما) وهو وصف صحيح بالنظر الى ارائه الاخلاقية الرفيعة حول ماهية السينما ولهذا على الصعيد الشخصي اكتسبت أفلام تروفو وأعماله النقدية وجهة نظر اخلاقية حول العلاقة بين الفيلم والمشاهدين.. ومع ذلك فان أفلامه لا تملي على المشاهدين أياً من خواطره في المسائل الاخلاقية ولا تحتوي على المواعظ أو إثارة عواطف الجمهور بغرض استمالته لأهداف معينة..

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

ثقافة إعاقة الحرية والديمقراطية عربيا

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram