TOP

جريدة المدى > عام > موسيقى الاحد: لماذا الموسيقى "الكلاسيكية"؟

موسيقى الاحد: لماذا الموسيقى "الكلاسيكية"؟

نشر في: 19 مايو, 2018: 05:47 م

 ثائر صالح

لماذا الموسيقى "الكلاسيكية"؟ وهل التسمية صحيحة؟ وإذا كانت غير دقيقة فما هو البديل؟
سؤال متشعب يتكرر على الدوام. يعرف الجميع صعوبة الإجابة على هذا السؤال وإعطاء البدائل.
لكننا ربما نقترب من الحل إن قلنا بأنها تقتصر على الأعمال المؤلفة (أي أنها ليست نتاج للذاكرة الجمعية لجماعة من الناس، كما هي الحال مع الموسيقى الشعبية). وهي ترتبط كذلك بتطور نظرية الموسيقى وبنظام موسيقي محدد، (وبالتدوين الموسيقي أي التنويط بدرجة ما). كما لها علاقة بالتعددية الصوتية (البولفونية) والتناغم الصوتي (الهارموني) بشكل ما وإن كان ذلك ليس شرطا. لكن كل ما ذكر لا يكفي لاعطاء تعريف دقيق، فهي أشمل وأوسع. وفي تقديري أنها يمكن أن تتسع لتشمل كل أنواع الموسيقى ذات القيمة الفنية بغض النظر عن الزمان والمكان.
تأريخياً بدأ التعدد الصوتي في فترات متأخرة من العصر الوسيط (ويقع بين حوالي 500 – 1400 م ) وظهر التدوين الموسيقي المعاصر في القرن الحادي عشر في أوروبا. لا ننسى بأن هناك محاولات جادة في الموضوعين قام بها المنظرون في الشرق وأهمهم الفارابي (872 – 950) والارموي (1216 – 1294)، لكن بريق الحياة الفكرية خبى بعد انهيار الحضارة المشرقية.
ظهرت مع بداية عصر النهضة (1400 – 1600) أساليب وأشكال فنية جديدة لتواكب النهضة الفكرية الأوروبية التي قامت على أساس التأثر بروح الحضارة العربية الاسلامية (المشرقية عموماً والأندلسية خاصة) وانجازاتها الفكرية عبر الترجمة والاحتكاك المباشر. وتركزت الفنون الموسيقية في ايطاليا والأراضي الواطئة بالدرجة الاولى. وهنا نجد التناقض بين الأساليب الموسيقية وصراعها، مثل الصراع بين ما اسمي بالموسيقى القديمة والموسيقى الحديثة. وهذا هو جوهر كل أنواع التطور، فالقديم يشيخ ويحل محله الجديد الذي يشيخ فيزيحه الأجدد وهكذا.
ثم جاء الباروك (1600 – 1750) وتلاه العصر الكلاسيكي (لغاية الربع الأول من القرن التاسع عشر)، وخلالهما سادت غالبية الأشكال الموسيقية المعروفة اليوم – الأوبرا والكونشرتو والسوناتا ومنها تطورت السيمفونية بالمفهوم الكلاسيكي. وجاءت الفترة الرومانتيكية وبعدها الرومانتيكية المتأخرة (نهاية القرن التاسع عشر) التي امتد تأثيرها حتى القرن العشرين. وأخيراً ظهرت الموسيقى المعاصرة التي نعرفها اليوم (بمختلف اتجاهاتها وميولها) وقد تداخلت مع مجموعة من الفنون الاخرى بفضل التكنولوجيا الحديثة وظهور السينما والراديو.
نرى من هذا الاستعراض التاريخي السريع أن الموسيقى الكلاسيكية لا تمثل سوى سبعة أو ثمانية عقود من تاريخ الموسيقى الأوروبية الطويل. أي انها موسيقى هايدن وموتسارت وبيتهوفن بالدرجة الاولى، الكلاسيك النمساوي. ما التسمية البديلة؟ هل هي الموسيقى الأوروبية؟ جرى تأليف موسيقى مشابهة في كل بقاع العالم. وكانت التسمية التي استعملها الفنانان باسم حنا بطرس ومنذر جميل حافظ في برنامج "مع الموسيقى العالمية" (1974 – 1976) في التلفزيون العراقي محاولة متقدمة للجواب على هذا السؤال الشائك.
هناك من يقول أنها الموسيقى الجادة في مقابل الموسيقى الشعبية والترفيهية. لكن هايدن كان يؤلف موسيقاه ليرفه عن النبلاء عند الأمير أسترهازي، فكيف نفرق بينهما؟
هل هي الموسيقى النخبوية في مقابل الموسيقى الشعبية؟ كانت الموسيقى الشعبية في عصر النهضة أساس شكل المادريغال، مثل الفروتولا (نوع من الأغاني الشعبية الايطالية) الى جانب الشانسون الفرنسي والموتيت ذي البناء البوليفوني المحكم. والمادريغال واحد من الأشكال الموسيقية الهامة في الموسيقى "الكلاسيكية" كما نعرف.
لا يسع أحد إعطاء تسمية دقيقة، فالاشكال والأساليب الموسيقية تتبادل الأدوار في التاريخ، والكثير من موسيقيي ما يعرف بالـ (Heavy metal) يغرفون اليوم من موسيقى الباروك ألحاناً وبناءاً موسيقياً، في حين تنتعش صناعة تقديم أغاني عصري النهضة والباروك الانكليزي بين موسيقيي البوب المعاصرين. فهل يمكن اعتبارهذين الفنين موسيقى "كلاسيكية"؟ سيجري اعتباره كذلك، مثلما نعتبر اليوم أغاني المؤلفين الانكليز في القرن السادس عشر التي كانت تُغنّى في حانات لندن ضمن الموسيقى "الكلاسيكية".
بمناسبة الأغاني، هل نعتبر أغاني الأخوين الكويتي وبستاتهما ضمن الموسيقى الكلاسيكية؟ أنا أميل الى ذلك، فالكثير من مقومات الانتساب الى هذا الفن الراقي تنطبق عليها: مؤلفها معروف، ألّفها وفق نظام موسيقي متميز ووفق قواعده. والحال ذاتها إن أخذنا الموسيقى العثمانية (وليست التركية، فهي سبيكة عربية فارسية تركية يونانية أرمنية)، فالفاصل والسماعي هي أشكال موسيقية "كلاسيكية".

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

إردوغان عن دعوة أوجلان إلى إلقاء السلاح: "فرصة تاريخية"

ترامب: زيلينسكي غير مستعد للسلام

حكمان عراقيان لقيادة نهائي كأس آسيا للشباب في الصين

إيران تعلن الأحد المقبل أول أيام شهر رمضان

وزير الكهرباء الأسبق: استيراد الغاز من إيران أفضل الخيارات

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

الكشف عن الأسباب والمصائر الغريبة للكاتبات

موسيقى الاحد: عميدة الموسيقيين

النقد الأدبي من النص إلى الشاشة

النوبة الفنيّة أو متلازمة ستاندال

صورة الحياة وتحديات الكتابة من منظور راينر ماريا ريلكه

مقالات ذات صلة

علاقة الوعي بالمعنى والغاية في حياتنا
عام

علاقة الوعي بالمعنى والغاية في حياتنا

ماكس تِغمارك* ترجمة وتقديم: لطفية الدليمي بين كلّ الكلمات التي أعرفُها ليس منْ كلمة واحدة لها القدرة على جعل الزبد يرغو على أفواه زملائي المستثارين بمشاعر متضاربة مثل الكلمة التي أنا على وشك التفوّه...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram