TOP

جريدة المدى > عام > مُشكلة بين جيلين .. غرور الشباب وسايكو باثية الجيل السابق

مُشكلة بين جيلين .. غرور الشباب وسايكو باثية الجيل السابق

نشر في: 19 مايو, 2018: 05:50 م

زينب المشاط

هي مسافةٌ فكرية، وإختلاف التقاطات ورؤى، إلا أنها ليست بالخلاف، فالوّد والاحترام قائم، والأجيال السابقة من الكُتاب والفنانين والمثقفين الأوائل لا يحاولون تهميش أو تسقيط أو كسر جيل الشباب، الجيل الجديد الذي بات يبحث عن فرصه الجادّة بمشقّة كبيرة ليُثبت للعالم وليس للأجيال التي سبقته أنه يستطيع أن يُقدم الكثير وينافس ويثبت وجوده رغم ما يُعايشه من بيئة غير بناءة، لاتمنحه حرية التفكُّر والعطاء...
لم تكُن مُشكلة الجيل الجديد البيئة فحسب بل يبدو أن مشكلته ما يواجهه من تسقيط وانتقاص من قبل بعض الأفراد من الاجيال السابقة له، وقد يكون بعض أفراد الجيل الجديد مصاباً بنوبة غرور بداية المسيرة، وهذا أيضاً بحدّ ذاته أمرّ مُقلق، فبعض أفراد الجيل الجديد يتحدى من سبقه ظناً منه أنه تصدر المشهد وانتهى....

أما من يحاول من السابقين أن يدعم الجيل الجديد، نجده أحياناً يُبالغ في دعمه كإقامة جلسة احتفاء بمنجز أحد الشباب رغم أنه لا يملك سوى عملاً بسيطاً على صعيد الادب والفن والمجالات الثقافية الأخرى وهذا أيضاً شيء مُبالغ به قد يؤدي الى اخفاق الجيل الجديد...
"المدى" أجرت استطلاعاً صحفياً بهذا الشأن وحاولت أن تتحدث الى جيلين في كافة المجالات الفنية والثقافية، وعلى صعيد الفن التشكيلي أكد الفنان التشكيلي سعد الطائي عدم وجود حدود بين الجيلين وقال " لايوجد حدود بين الجيلين هو فقط تدرج في الزمن والاتجاهات ولاتوجد فروقات كبيرة، فالجيل القديم سار بشكل معين وتطور مع ذاته، أما الجيل الجديد نجده قد أخذ من الجيل القديم قليلاً لكنه أخذوا أكثر من الفن الغربي لهذا مع استمرار الزمن سينخرط الجيل الجديد في دائرة التدرج ولن يكون هنالك انقطاع."
لم يقيم أي فنان تشكيلي ذو تجربة بسيطة أو محدوده معرضاً شخصياً في قاعات معروفة ولها تأريخها هذا ما أكده الطائي قائلاً " جميع التشكيليين سواء الجُدد أو القدماء واثقون من أن القاعات ذات التأريخ الكبير لاتستضيف معارض لفنانين تشكيليين جدد وهذا ينطبق على الفن التشكيلي في أوروبا." وأشار الطائي "إن لكل فنان قدره على الاهتمام بعمله ويرى أنه قادر على تقديم نفسه الى الجمهورباسلوب معين، وهذا أيضاً يعتمد على النقاد والمشاهدين فمن حق التشكيلي الشاب أن يرى ذاته وما يقدمه من أعمال ولكن ضمن حدود تجربته."
ويبدو إن الفن صراع بين الأجيال في مجال الفن التشكيلي وهو أكثر محدودية من غيره في المجالات الثقافية والفنية الاخرى، فيجد الطائي أن "لكل فنان أسلوبه ولكن ليس هنالك مجال للمقارنة بين الجيلين في مجال الفن التشكيلي، لأن بالنهاية كل فنان يترك بصمته الخاصة في عمله."
التركيز على النوع لا على الكم، ومُفاجآت التجارب الناضجة، هذا ما يشغل التشكيليين الشباب، يذكر الفنان التشكيلي عقيل خريف إن " المنجز بحاجة الى وعي وبحث وتجريب، ممكن أن يُقدم الشاب خمسة أعمال مميزة ولها موضوعة مهمة بدلاً من العشرين عمل التي يقدمها في معرض واحد." خريف يؤكد أن من الخطأ تقييم الفنان على مدى عمره الزمني، بل حسب حسب تجربة الفنان، ويقول خريف "إذا كانت تجربة الفنان ناضجة فمن الممكن أن يقدم له معرضاً شخصياً، ولتقييم تجربة الفنان هو بحاجة الى عرض أعماله على لجان مختصة من فنانين كبار."
وهنا يُشير خريف الى تجربته الشخصية قائلاً " حين كنت طالباً في الاكاديمية أقدمت على إقامة معرض شخصي، وحين عرضت أعمالي على اساتذتي نصحوني بالترويّ في ذلك، وبالفعل عدلت عن فكرتي وأثبتت لي التجربة إني من الافضل أن عدلت عن ذلك، لكن من المؤسف أن بعض الشباب حين ينصحهم الجيل السابق بالتأني نجدهم يسارعون بتقديم اعمالهم وكأنهم يتحدون في ذلك من سبقهم."
استعان خريف بمقولة الراحل جواد سليم "إذا أردت أن تأتي بالجديد فعليك فهم القديم ." ويذكر خريف "لابد من فهم أسس الفن التشكيلي وقواعده من خلال الإطلاع على أعمال قدمتها الاجيال السابقة، لنطورها بعدها بلمسات خاصة وبصمة وأثر لكل فنان، ولااعتقد أن هنالك انتقاص أو تهكم من قبل الفنانين الكبار للاجيال الجديدة."
لا يُمكن الانتقاص أو تهميش الجيل الجديد، فنحن حين نتحدث عن وسط ثقافي وفني رصين سنجد أن الجُدد هم بديل نوعي ووارث لكل التجارب التي إدخرتها الاجيال السابقة هكذا وصف المخرج والاكاديمي د. عقيل مهدي يوسف هذه الازمة وقال "أن ما رسخه السابقون من القيم الروحية وما شرعته من فنون وآداب وفلسفات نقلت البشرية الى مراتب عليا وإن حاول أحد أن يسقط او يهمش جيل الشباب فهذا لا يدل إلا على حالة مرضية سايكو باثية لاتشرّف حاملها وتحرمه من الانتماء الى عالم الرفعة والسمو ومقاربة الضمير الحر للانسانية في ميادين الفنون "
جيل الشباب يقدرون مايُعانيه الجيل الجيل السابق من قلق آزائهم، فالمخرج المسرحي الشاب تحرير الاسدي يعتقد أن السبب في هذا التفاوت والتجافي يعود الى "فرق الزمن فكما نعلم لكل زمن محدثاته ومتغيراته وإيقاعه البعض من الاجيال السابقة يواكبون هذه المتغيرات وهم من يستوعب الجيل الجديد أما من آثر العيش في ماضيه من المؤكد هو يرفض كل ما هو لا يشبهه."
ولا ينفي الاسدي أن بعض المحدثين أو الجدد قد يستعجلوا في تقديم انفسهم والاحتفاء بمنجزهم الفتي ويقول "قد يستعجل البعض بأقامة حفل بمنجز لشاب لمع اسمه لكن تجربته لم تكتمل، وهذا ينبع من قلة المشتغلين في المسرح، لكن في نفس الوقت لاضير من الاحتفاء بمبدع شاب قد اتضحت ملامح تجربته وأصبح يمثل نفسه والمجتمع فالابداع لايعرف عمراً محدداً."
ويبدو إننا بحاجة الى تواصل واندماج من خلال اقامة تجارب تجمع الرواد والشباب من اجل فهم الاثنان والاستفادة من الطرفين فالشباب لم يكونوا لولا وجود الجيل السابق والجيل السابق لايمكن أن يستمر إلا من خلال الجيل الجديد."
المجالات الأكثر جدلية والتي شهدت صراعات أكبر هي الادبيات، الناقد والباحث ناجح المعموري يجد أن الحياة الثقافية هي حركة وتطور شأنها شأن كافة المجالات، ويذكر المعموري "أن التحولات والتطورات الفكرية والثقافية خاضعة للزمن، ولكنها ليست ككرة القدم ففي الادب يزداد تألق الكاتب كلما تقدم بالعمر ورُسخت تجرتبه." مؤكداً "أن الاجيال الثقافية سُميّت في فترة الخمسينيات والستينيات من القرن الفائت ولكنها بدأت تنطفئ في السبعينيات، وكما ذكرنا إنها خاضعة للتجربة كلما زادت التجربة زاد العمق الادبي والثقافي."
لم يلتمس المعموري أي فجوة بين الاجيال بحسب تجربته كونه رئيس الاتحاد العام للادباء والكتاب في العراق، حيث يقول"أجد أن الادباء الشباب يحترمون ويقدرون من سبقهم من الاجيال ويأخذون بنصحهم، ولكني وفق رؤيتي الشخصية لا يمكن أن اسمح للجيل قديم ان يُقيّم اعمال شابة فتية، فهذا غير منطقي لأن التجارب الفنية والادبية تتطور، علينا أن نشكل لجان من الشباب المعروفين والذين يمتلكون تجربة جيدة جداً لتقييم الاعمال الشبابية وفحصها لأن الأدب الكلاسيكي يختلف تماماً عن المحدثين ."
قد يظنّ الجيل السابق أنه أمين على الادب، بالتالي يحاول أن يُطفئ بريق أي شاب يلمع منجزه الادبي بفترة قياسية، هذا ما ذكره الشاعر الشاب أحمد ضياء مُضيفاً "مستوى تجربتي الشّخصيّة كان لمراحل ظهرنا الكثير من الأضرار لهؤلاء "السابقين" حد إنَّهم في أمسية ما قاموا بطردنا فلم يستطع الآخر استيعاب التّبدلات الّتي حدثت في الشعر والبنية الاجتماعية."
ما من خطأ يجده ضياء بالاحتفاء بمنجز شاب، ذاكراً أن" رامبو أحدث تبدلات في الشعر وهو في سن السادسة عشرة، غيّرت العالم إلى طريقة جديدة في الكتابة والمفاهيم، أما لأنَّ ذلك إسمه ذي أحرف أجنبية فالأمر مشروع لهم."
يبحث ضياء عن إلتقائه مع القراء الحقيقيين، الى منجز الجيل الجديد والتعامل معهم على أساس تجاربهم المتقدمة ، اضافة الى أنه يجد أن هنالك الكثير من الأجيال السابقة التي تابعت منجز الشباب بعناية وإلتفت اليه واعترفت بألقه.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

إردوغان عن دعوة أوجلان إلى إلقاء السلاح: "فرصة تاريخية"

ترامب: زيلينسكي غير مستعد للسلام

حكمان عراقيان لقيادة نهائي كأس آسيا للشباب في الصين

إيران تعلن الأحد المقبل أول أيام شهر رمضان

وزير الكهرباء الأسبق: استيراد الغاز من إيران أفضل الخيارات

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

الكشف عن الأسباب والمصائر الغريبة للكاتبات

موسيقى الاحد: عميدة الموسيقيين

النقد الأدبي من النص إلى الشاشة

النوبة الفنيّة أو متلازمة ستاندال

صورة الحياة وتحديات الكتابة من منظور راينر ماريا ريلكه

مقالات ذات صلة

علاقة الوعي بالمعنى والغاية في حياتنا
عام

علاقة الوعي بالمعنى والغاية في حياتنا

ماكس تِغمارك* ترجمة وتقديم: لطفية الدليمي بين كلّ الكلمات التي أعرفُها ليس منْ كلمة واحدة لها القدرة على جعل الزبد يرغو على أفواه زملائي المستثارين بمشاعر متضاربة مثل الكلمة التي أنا على وشك التفوّه...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram