TOP

جريدة المدى > عام > موسيقى الاحد: فنطازيا شوبرت

موسيقى الاحد: فنطازيا شوبرت

نشر في: 26 مايو, 2018: 05:09 م

 ثائر صالح

تُعد الفنطازيا في (فا) الصغير التي كتبها فرانس شوبرت (1797 – 1828) قبل أشهر من وفاته أحد أهم أعمال هذا العبقري الذي رحل شاباً. العمل مكتوب لعازفين على بيانو واحد، أي ثنائي، أو ما يسمى بلغة الموسيقيين عمل بيانو لأربع أيادي، ووضع له توقيع سلم (فا) الصغير. يمتلك هذا العمل كل مقومات الشكل السيمفوني، لكن شوبرت أطلق اسم الفنطازيا على هذا العمل لأنه لا يستطيع تسميته باسم سيمفونية للبيانو، وهو من جانب آخر ليس سوناتا للبيانو، فهذه الفنطازيا عمل موسيقي له بناء واضح، إذ تتكون من أربع حركات محددة المعالم تؤدى بشكل متصل، دون توقف. وقد واصل شوبرت استعمال نفس الاسلوب الذي اتبعه في فنطازيته السابقة "فنطازيا الرحّال" التي ألفها سنة 1822. ويقول البروفسور كريستوفر هوغوود إن السبب وراء هذا كله أن شوبرت لم يكن قادراً على الحصول على دعم كافٍ يمكنه من تقديم أعمال كبيرة للأوركسترا. فمن جانب كان النقاد يعجبون بأعماله للبيانو وأغانيه الرائعة وينصحونه بكتابة أعمال ضخمة للأوركسترا، لكن لا أحد دعمه في مسعاه هذا. فبقي شوبرت طيلة حياته يدور في فلك الصالونات والأماسي الموسيقية التي نظمها أفراد من الطبقة الوسطى الصاعدة، ولم تقدم أعماله الاوكسترالية في حياته سوى مرة واحدة وحيدة، وفي عام وفاته.
أهدى شوبرت هذه الفنطازيا الى كارولينا أسترهازي، وهي بنت الكونت يانوش أسترهازي. عائلة أسترهازي المجرية لها فرعان، فرع الامراء فاحش الثراء، وعندهم خدم فرانس يوزف هايدن لعقود طويلة، وأشهر قصورهم في استرهازا بالمجر يسمى بفرساي المجرية، وفي آيزنشتات قرب فيينا. أما فرع الكونتات، فهي عائلة أقل ثراء، وقد تعد من الأثرياء المتوسطين، أملاكهم وقصورهم متواضعة وتقع اليوم في المناطق ذات الغالبية المجرية من سلوفاكيا (ويعود الكاتب المجري الشهير بيتر أسترهازي الذي توفي العام الماضي الى هذا الفرع). وكان شوبرت قد قضى بضعة أشهر عند الكونت لتعليم بنتي الكونت الموسيقى في 1818 و 1825، وقد وقع شوبرت في حب كارولينا دون أدنى أمل في الزواج منها.
تتكون الأقسام الأربعة من مدخل، فحركة بطيئة، ثم حركة سكرتسو راقصة، وحركة ختامية كأي سيمفونية. وتأتي عبقرية شوبرت في ربط هذه الأحجار النادرة الأربعة في مسبحة واحدة، فالانتقال يتم عادة بفترة صمت يتهيأ السامع والعازف فيها للقسم القادم الذي قد يختلف بالسلم الموسيقي والسرعة والايقاع، بل حتى المزاج الموسيقي واللون. أما شوبرت فينقلنا هنا مباشرة من جزء لآخر بالانتقال النغمي وتبديل السلالم والانتقال بين السلم الكبير والصغير الخ.
وكالعادة مع شوبرت ، يستعمل الحاناً غنائية من النوع الذي لا ينسى، بعد سماعها لمرة واحدة تبقى عالقة في أذهاننا ولفترة طويلة. تسحرنا هذه المقطوعة التي يبلغ طولها نحو 20 دقيقة بالتحويل بين السلالم وغنى الايقاعات والتحولات المفاجئة والتنقل من الغنائية الرقيقة الى السوداوية العميقة أو الحميمية المفرطة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

إردوغان عن دعوة أوجلان إلى إلقاء السلاح: "فرصة تاريخية"

ترامب: زيلينسكي غير مستعد للسلام

حكمان عراقيان لقيادة نهائي كأس آسيا للشباب في الصين

إيران تعلن الأحد المقبل أول أيام شهر رمضان

وزير الكهرباء الأسبق: استيراد الغاز من إيران أفضل الخيارات

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

الكشف عن الأسباب والمصائر الغريبة للكاتبات

موسيقى الاحد: عميدة الموسيقيين

النقد الأدبي من النص إلى الشاشة

النوبة الفنيّة أو متلازمة ستاندال

صورة الحياة وتحديات الكتابة من منظور راينر ماريا ريلكه

مقالات ذات صلة

علاقة الوعي بالمعنى والغاية في حياتنا
عام

علاقة الوعي بالمعنى والغاية في حياتنا

ماكس تِغمارك* ترجمة وتقديم: لطفية الدليمي بين كلّ الكلمات التي أعرفُها ليس منْ كلمة واحدة لها القدرة على جعل الزبد يرغو على أفواه زملائي المستثارين بمشاعر متضاربة مثل الكلمة التي أنا على وشك التفوّه...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram