علي حسين
انشغلت صحف إيطاليا خلال الأيام الماضية بخبر تعيين المحامي جوزيبي كونتي رئيساً للوزراء، الذي فاجأ الجميع حين ذهب لتسلّمه منصبه بسيارة أُجرة من دون جكسارات ولا صراخ الحمايات، سيقول البعض يارجل كيف تغرّك مثل هذه المشاهد التي تندرج تحت عنوان"صوّرني وآني ما أدري"، تعذرونني لن أتحوّل إلى نسخة من القاضي وائل عبد اللطيف عندما خرج علينا يسخر من حيدر العبادي، لأنه سمح لأحد أفراد الشرطة أن يفتّشه وهو يقول"ليش هو الشرطي حريص على البلد أكثر من رئيس الوزراء؟"، مشكلتنا ياعزيزي وائل أنّ المسؤول عندنا أهمّ من الدولة والقانون، في حين أنّ إيطاليا التي عيّنت محامياً مغموراً في أعلى منصب تنفيذي، هي نفسها التي منعت سياسيّاً من عيّنة سيلفيو بيرلسكوني من الوصول إلى كرسيّ رئاسة الوزراء، بل إنها حكمت عليه بعقوبة"الخدمة الاجتماعية"في إحدى دور رعاية المسنّين على خلفيّة الحكم الذي صدر بسجنه بتهمة التهرّب الضريبي، أما في هذا البلد المشاع، فيمكن أن يخرج علينا السفير الإيراني في بغداد ليقول بكلّ جديّة وصرامة :"إنّ الوقت ما زال مبكراً للحديث عن تشكيل الحكومة المقبلة"، كنّا جميعاً أنتم وجنابي قد عشنا مع السيد نوري المالكي عندما أخبرنا أنّ الحرب الأهليّة قادمة لامحالة، ما لم نتعقّل ونعيد كرسي رئاسة الوزراء إلى أصحابه الشرعيين! وقبل هذا كنّا جميعاً نحلم أن يكون العراق بعد عام 2003 بلاداً للرفاهية والعدالة والقانون، وأن يخرجنا قادة العراق الجدد من عصور الخوف. لكنّ الذي حدث كان خارج الأحلام. اختطف التغيير من قبل أحزاب سعت إلى أن تفصِّل الحكم على مقاسها الخاص، وأصبحت العدالة الاجتماعية، والتسامح والعيش المشترك مؤامرة ماسونيّة. ولم تعد هناك حدود للموت والقتل والخراب. وتحقّق شيء واحد:"دولة الفرهود".
كانت أحلام المواطن العراقي غاية في البساطة. بدل أن ينتظر الحصة التموينية خطر له أنّ الديمقراطية الجديدة ستجعل منه مالكاً وشريكاً لثروات البلاد، وبدل أن ترتبط حياة الناس بالسياسات الصادقة والهادفة، ربطت بحجم المنافع ومشاريع تقسيم البلاد طائفيا.
هذه هي النتيجة. لا حدود للخراب، ولهذا عندما يُختطف شباب من كربلاء ويغيبون من دون أن يعرف أحد مكانهم، لأنهم طالبوا بالخدمات، فلا ينبغي أن نُصاب بالدهشة، فقبلها عشنا مع عبارة مثيرة تقول إنّ سفارة الجارة تطالبكم بالصبر!.