اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > ستار درويش وسر تمسكه بعبث الطفولة

ستار درويش وسر تمسكه بعبث الطفولة

نشر في: 19 إبريل, 2010: 05:30 م

احمد نصيفالفنان ستار درويش من الفنانين الذين لهم بصمة واضحة في التشكيل العراقي المعاصر. وقد بذل جهدا كبيرا في صياغة الملامح المميزة في لوحته. وجد نفسه مهووسا بخربشات  الطفولة على جدران بيوتهم، او على جدران وأبواب مدارسهم. وجد هذه التلقائية في التعبير مادة جيدة للوحته، وتعامل معها بواقعية بنبرة تجريدية  مع ميل ورغبة واضحة في تشخيص يوميات الأطفال على الجدار.
أضاف درويش لهذه اللمسات الرقيقة إحساسه تجاه الطفولة، واعتبرها رصيده الوحيد في هذا الوطن مثلما عبر عن هذا يوما ( الوطن بالنسبة لي عبارة عن ذكريات ). وعمق رغبته هذه في محاكاة الطريقة التي يرسم بها الطفل. لوحته بسيطة جدا وغير متكلفة بالمرة، وهي لوحة زاهدة جدا في اللون وتنتمي إلى التقليلية. وليس هناك شيء جاهز أو مفتعل أو مصنوع  عدا استخدامه لبعض التقنيات عند تأسيسه سطح القماش ليعطينا انطباع إن هناك جداراً لعب الزمن دوره في تكوين سطحه وهي محاولة لدرويش لمحاكاة الجدار التي تعنيه كثيرا. ليوضح إن هناك ذاكرة مصرة على الالتصاق بإحساسه تجاه مدينته أو وطنه القديم المحصور داخل ذاكرته.يبدأ درويش بالعمل على هذا الجدار المفترض وتبدأ الخطوط والخربشات بمشاكسة هذا الجدار، وبعض الرسومات التي  حاول درويش أيضا محاكاة تلقائية الطفل فيها هنا يبدأ دور ستار درويش الطفل ليستعيد زمنا معتقا ذا نكهة بريئة ومقرونا بولعه بهذه الخربشات.ليست هذه الحدود التي يتوقف عندها ستار درويش لاننا  نجد في لوحاته بقعا سودا أو حمرا، ويمر من فوقها أو من خلالها خط غاية بالعشوائية وليس فيه أدنى مسؤولية تجاه هذه البقعة، وهذا الخط قد يذهب بعيدا ولا نستطيع تمييز نهايته، وقد تجد شكلا لطفلة رسمها ابن الجيران ليسخر منها وبعض الطيور المرسومة بطريقة بسيطة ترتقي لتكون أسطورية أو حكائية انتزعها الطفل من أحدى حكايات جداتهم وهي منسجمة مع طريقة تفكير الطفل ورؤيته لهذه الكائنات الغريبة.يهيئ درويش إنشاء اللوحة ليصل إلى أقصى ما يفكر به الطفل (درويش)فهو يعمل على إنشاء غير متقن وليس فيه كتل لونية واضحة , فهي متداخلة وغير متقنة. بمعنى الرؤية وليس الصنعة. الأسود يخرج من الأبيض  أو بالعكس ويشتركان بخطوط أو بحروف بقصدية كسر الخط الفاصل بينهما إذا كان هناك خط واضح يفصلهما وأحيانا نجد كتلا لونية غير منتهية ونهاياتها غير ملتزمة ليشعرنا بأنه جزء من طاقة الجدار الواقعية.الفصل الحاد بين كتلتي اللون لا ينسجم مع مزاج  درويش فهو يتمتع بانسيابية ومرونة عندما يجاور لونا مع آخر. هذه دلالة على الاحترافية العالية التي يتمتع بها الفنان، فهو لا يكتفي بإيهامنا بعدم الفصل بل يلجا إلى استخدام  كليشهات وكولاجات بين مستويات اللون الواحد ويجمعهن من خلال الأشكال العشوائية ويعمد على عدم الإتقان بإتقان العشوائية  في جمع الأشكال والألوان بطريقته هذه.الطباشير والباستيل أصبحا خامة  مهمة في عمل لوحته واستخدامه لهذه المواد أيضا يقع في دلالة ومفهوم الفنان وثقافته تجاه تلقائية الطفل. تراه يستخدم الطباشير في أكثر الأحيان بعد أن يعي إن اللوحة على وشك الانتهاء.ستار درويش صبور مع لوحته ويعمل على أكثر من مرحلة ابتداءا من تأسيس سطح القماش الذي يحتاج لوقت طويل إلى أن يتأكد من جفافها تماما واستخدامه للكولاج من أوراق الصحف والمجلات القديمة وبالذات الصحف الأجنبية والذي يعنيه من استخدام هذا النوع من الورق السحنة السمراء المعتقة وهي دليل أخر على الاستعانة بالأشياء القديمة لإتمام رغبته في المعادل الصوري للذاكرة.أو استخدامه للسبريه في بعض زوايا اللوحة يضع الفنان ستار درويش في كثير من الأحيان لوحته على الأرض ويتربع أمامها ليرسم.وحتى في طريقته هذه هو يقلد طريقة الطفل برسم اللوحة والتصاقه فيها.تدخل على ستار في مرسمه وتجده محاطاً بركام  من الصحف القديمة والألوان والفحم وعلب اللون والمواد المساعدة الأخرى من عجائن وسكاكين وفرش متنوعة الأحجام.هذا يدعونا الى ان نقول ان ستار عندما يرسم  وكانه يرسم لاول مرة حيث تبدو عليه الدهشة حين تبدا ملامح اللوحة بالظهور والنضج. هذه الدهشة دليل على اخلاصه لمنجزه وعدم جاهزيته واللوحة عنده غير محسومة النتائج. انه لايعمل مثل بعض الرسامين الذين يعملون على اللوحة  وكل شيء جاهز وغير قابل للصدفة او العفوية اما ستار درويش فهو يعمل على خطوط عريضة الا انه يندفع كثيرا باتجاه حوار خاص جدا مع لوحته وينسى انه يرسم احيانا، شعور يشبه اللعب وتعاطيه مع اللوحة فيها ارادة متبادلة  ويبدو انه بالقدر الذي يعطي للوحته تدفع هي باتجاه ان تكون اجمل. تجربة درويش تجربة فيها الكثير لكي نتحدث عنها لكي نحصرها باطار فني خالص فهي مزيج بين هموم الفنان نفسه ولغة اللوحة وكيفية انجازها بمستوى راق وعميق.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

في استفتاء موسيقي تنافسي سنوي حصلت إسطوانة “أصابع بابلية” للمؤلف الموسيقي وعازف العود العراقي أحمد مختار على مرتبة ضمن العشر الأوائل في بريطانيا وأميركا، حيث قام راديو “أف أم للموسيقى الكلاسيكية” الذي يبث من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram