ثائر صالح
كثيراً ما نتفاخر بأن أقدم أدوات القيثارة المعروفة في العالم هي تلك التي عثر عليها في المقبرة الملكية في اور السومرية، وعمرها حوالي 5500 سنة. كانت القيثارة السومرية بأحد عشر وترا، وكانت القيثارة منتشرة في مختلف بقاع العالم منذ ذلك الوقت.
تطورت هذه الأداة قليلاً خلال آلاف السنين، لكن جوهرها لم يتغير أبداً. لعل استخدام الدوّاسات المشابهة لدواسات البيانو التطور الأهم، وهي دواسات خاصة لتغيير طبيعة السلم حسب الحاجة ورفع أو خفض النغمات، وهناك سبع دوّاسات في القيثارات المستعملة في صالات الموسيقى اليوم. عمل هذه الدواسات يشبه الى حد ما عمل العربات في أداة القانون الشرقية، عبر تغيير طول الوتر وقوة شده. يبلغ مدى القيثارة الصوتي ستة اوكتافات (دواوين) ونصف، وفيها 47 أو 48 وترا.
مع ذلك لم تكن هذه الأداة الجميلة من الأدوات الأساسية في الفرق الموسيقية (الأوركسترا)، بل كان دورها مكملاً وإضافياً، ونادراً ما استعملها المؤلفون حتى زمن موتسارت وبيتهوفن. ولم يكتب للقيثارة سوى عدد قليل من المؤلفين، أهمهم الفرنسي فرانسوا جوزف نادرمان (1781 – 1835)، الذي ارتبط بالقيثارة بأكثر من وشيجة. إذ كان أبوه صانع قيثارات شهير في القرن الثامن عشر، وامتلك محترفاً لصنع الأداة التي زود بها البلاط الفرنسي، وكان ناشراً ومؤلفاً موسيقياً كذلك. في هذه البيئة شب فرانسوا وأخوه الصغير انري. تعلم فرانسوا العزف على القيثارة من صديق أبيه التشيكي كرومبهولتس (1742 – 1790) وسرعان ما أصبح عازفاً ماهراً عليها وحصل على شهرة كبيرة في تلك المرحلة المضطربة من تاريخ فرنسا. فقد قدم حفلة على شرف نابليون قاد فيها 12 قيثارة وذلك سنة 1804. عين عازف القيثارة الأول في كنيسة البلاط بعد عودة عودة الملكية، وأصبح أول بروفيسور لأداة القيثارة في كونسرفاتوار باريس سنة 1825. واصل نشاط أبيه في صناعة القيثارة وأدخل تطويرات على تقنيتها، وكذلك كناشر موسيقى.
ألف نادرمان للقيثارة الكثير من الأعمال الموسيقية، منها سوناتات للقيثارة المنفردة، والقيثارة مع الكمان، والكمان والتشيلو، والبيانو والكمان، والفلوت، والهورن. لا تزال مجموعته المسماة Sonatinas Progressives من أهم قطع التراث الموسيقي المكتوب للقيثارة إلى اليوم (السوناتينا هي تصغير لسوناتا). من أعماله الاخرى رباعيات لأداتي هارب وهورن وتشيلو، وكونشرتات للقيثارة والأوركسترا. ألف منهاجا تعليمياً للعزف على القيثارة عنوانه مدرسة القيثارة وغيره من المواد التعليمية بحكم عمله كأستاذ في الكونسرفاتوار. ولربما تكمن أهميته كموسيقي في دوره التربوي ووضع مناهج تعليم العزف على هذه الأداة، وفي براعته في العزف عليها أكثر من أي شيء آخر.