TOP

جريدة المدى > عام > أستروفسكي الروسي وأستروفسكي السوفيتي

أستروفسكي الروسي وأستروفسكي السوفيتي

نشر في: 2 يونيو, 2018: 05:42 م

د. ضياء نافع

سبق أن نشرت مقالة بعنوان – ( ملاحظات حول تشابه أسماء الأدباء الروس ) , وتناولت فيها هذه الظاهرة الخاصة بالأدب الروسي , وتضمنت تلك المقالة إشارة الى اسمي تولستوي وأستروفسكي , وقد توقفت بتفصيلات أوسع عند اسم تولستوي في مقالة لاحقة , وكان عنوانها – ( تولستوي الأول والثاني والثالث في الأدب الروسي ) , والتي حظيت بردود فعل طريفة وعديدة من قبل القراء , وأتوقف الآن عند الاسم الآخر , الذي ورد في تلك المقالة , وهو – أستروفسكي.
قدّم اليسار العربي اسم أستروفسكي للقراء العرب باعتباره نموذجاً بطولياً خارقاً لمسيرة الأدب الروسي في الفترة السوفيتية, وذلك عبر روايته المشهورة – ( والفولاذ سقيناه) كما كنّا نسميها آنذاك في العراق , أو (كيف سقينا الفولاذ) كما استقرت تسميتها في الترجمات العربية لاحقاً (بترجمة غائب طعمة فرمان), وعندما وصلنا في بداية ستينيات القرن الماضي للدراسة في الاتحاد السوفيتي , كنا نعرف قليلاً عن هذا الأديب , إذ اننا سمعنا عن ذلك التمجيد له في الأوساط اليسارية ( بعد 14 تموز) في العراق, ولكننا لم نكن نعرف بتاتاً أي شيء عن الكاتب المسرحي الروسي استروفسكي (وهو بنفس الاسم) , والذي شاهدنا تمثاله المهيب أمام مسرح ( ماللي تياتر) في مركز موسكو( والتمثال هذا لا يزال هناك طبعاً) , واعتقدنا إنها للروائي استروفسكي , مؤلف تلك الرواية المذكورة آنفاً.
الاسم الكامل للروائي هو – نيقولاي ألكسييفتش أستروفسكي (1904 - 1936) , أما الاسم الكامل للكاتب المسرحي فهو – ألكساندر نيقولايفتش أستروفسكي (1823 - 1886) , ويميّز الروس بينهما ببساطة , إذ إنهم (الروس) يشيرون الى الاسم واسم الأب ليس إلا ويميّزون بينهما بدقّة , أما نحن – الأجانب – فقد كان الامر صعباً علينا , ولهذا , ومن أجل أن نميّز بينهما , فقد أطلقنا عليهما صفتين مختلفين– فالأول حسب التسلسل التاريخي (الكاتب المسرحي) أسميناه (أستروفسكي الروسي), والثاني (الروائي) أسميناه (أستروفسكي السوفيتي ), وهي تسميات ذات نكهة شبابية ساذجة طبعاً, إلا إنها طريفة , ولهذا ثبّتها عنوانا لمقالتي هذه.
الكاتب المسرحي, أوستروفسكي الروسي, هو شكسبير روسيا بلا منازع وكما تسميه أوساط النقد الادبي في روسيا منذ القرن التاسع عشر , وعلى الرغم من الحديث عنه هنا وهناك في عالمنا العربي ( انظر مقالتنا بعنوان – أستروفسكي شكسبير روسيا ) , إلا إننا – نحن العرب - لازلنا بعيدين جداً عن استيعاب أهميته في تاريخ الأدب الروسي ومكانته في مسيرة الأدب المسرحي بروسيا , إذ إنه يمثّل أحد اركان الادب المسرحي الروسي ولحد الآن , ونحن في القرن الحادي والعشرين ( وليس ذلك بالقليل !), وهو الاديب الوحيد في تاريخ الادب الروسي , الذي حرص أن يكتب مسرحية جديدة كل سنة منذ أن بدأ يكتب للمسرح , وطوال حياته في النصف الثاني من القرن التاسع عشر , وكانت الأوساط الادبية الروسية تنتظر مسرحيته الجديدة وتتلاقفها وتعرضها رأساً على خشبات المسارح الروسية في موسكو وبطرسبورغ وغيرها من المدن الروسية , والأرقام والوقائع وحدها تبين وتثبت هذه الظاهرة الفذّة والفريدة في تاريخ الأدب المسرحي الروسي , إذ كتب أستروفسكي (47) مسرحية , وتم انتخابه رئيساً لجمعية كتّاب الادب المسرحي الروسية منذ عام 1874 , وبقي يشغل هذا الموقع الاعتباري الرفيع الى وفاته عام 1883 , وقد منحه قيصر روسيا راتباً تقاعدياً مجزياً , من أجل أن يتفرّغ للكتابة الابداعية بعد أن برز في هذا المجال ( وهي ظاهرة نادرة جداً في التاريخ الروسي والعالمي أيضاً ), ولازال اسم أستروفسكي مطروحاً في ريبورتوار المسرح الروسي لحد الآن , إذ لا يمر موسم مسرحي روسي دون إعادة عرض لمسرحياته , إضافة الى أن السينما الروسية قد انتجت ( 38) فيلماً مقتبساً من مسرحياته , ويسعدني أن أشير هنا , الى أن الفنان العراقي الكبير المرحوم قاسم محمد ( وهو خريج المدرسة السوفيتية ) قد اقتبس أيضاً من مسرح استروفسكي مسرحيته الشهيرة – (الحب والربح) , التي قدمها في بغداد في حينها .
أما أستروفسكي السوفيتي كما اسميناه , مؤلف رواية – كيف سقينا الفولاذ , فانه أيضاً بحاجة الى دراسته من قبلنا – نحن العرب - بشكل موضوعي دون شعارات سياسية جاهزة و معلّبة , دراسة نقدية علمية دقيقة تضع النقاط على الحروف كما يقال , دراسة تحدد مكانته الحقيقية في مسيرة الأدب الروسي , وتلك مهمة كبيرة تنتظر رجالها من المتخصصين العرب.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

إردوغان عن دعوة أوجلان إلى إلقاء السلاح: "فرصة تاريخية"

ترامب: زيلينسكي غير مستعد للسلام

حكمان عراقيان لقيادة نهائي كأس آسيا للشباب في الصين

إيران تعلن الأحد المقبل أول أيام شهر رمضان

وزير الكهرباء الأسبق: استيراد الغاز من إيران أفضل الخيارات

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

الكشف عن الأسباب والمصائر الغريبة للكاتبات

موسيقى الاحد: عميدة الموسيقيين

النقد الأدبي من النص إلى الشاشة

النوبة الفنيّة أو متلازمة ستاندال

صورة الحياة وتحديات الكتابة من منظور راينر ماريا ريلكه

مقالات ذات صلة

علاقة الوعي بالمعنى والغاية في حياتنا
عام

علاقة الوعي بالمعنى والغاية في حياتنا

ماكس تِغمارك* ترجمة وتقديم: لطفية الدليمي بين كلّ الكلمات التي أعرفُها ليس منْ كلمة واحدة لها القدرة على جعل الزبد يرغو على أفواه زملائي المستثارين بمشاعر متضاربة مثل الكلمة التي أنا على وشك التفوّه...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram