TOP

جريدة المدى > عام > الأدب وإرضاء المجتمع..هل استطاع الأدباء تحطيم الثالوث المحرّم؟

الأدب وإرضاء المجتمع..هل استطاع الأدباء تحطيم الثالوث المحرّم؟

نشر في: 9 يونيو, 2018: 06:56 م

زينب المشاط

للقلم حريته المُطلقة، دون قيود أو شروط، وما أن يحاول كاتب ما أن يُسيّر قلمه وفق ايديولوجيات معينة، أو أهواء، أو يُخضع قلمه لهذا الفكر أو ذاك، أو يكتب بما يتناسب والمجتمع بمحرماته ومُحللاته، سيؤدي ذلك الى انطفاء بريق القلم، فهل يجب أن تكون الأقلام وخاصة الأدبية خاضعة لتوجهات المجتمع؟ وهنا سنركز على واقع المجتمع العراقي بكل مشكلاته وتناقضاته، والذي غالباً ما يتعارض مع الأدباء الذين يحاولون مسّ التابوهات "الدين، الجنس والسياسة" .. المدى قدمت استطلاعاً خاصاً لمعرفة ما إذا كان يتوجب على الأدب ان يخضع لتوجهات المجتمع أو لا؟ وإن كان الأدب العراقي مُتحرراً من تلك القيود فلماذا لا يجرؤ الأدباء على المساس بهذه التابوهات؟

ليس من وظيفة الأدب إرضاء مجتمع بعينه، بالعكس، هذا ما يؤكده الروائي شاكر الانباري قائلا " الأدب هو رسالة جمالية أخلاقية فاعلة، إذ عادة ما يوقظ الأدب التساؤلات والشكوك، ويهز سبات المجتمعات وركودها، لأن التفاعلات الكامنة في المجتمع، بما فيها الصراع بين المصالح والرغبات، تتجلى في الأدب حتماً، مثلما تتجلى أحلام البشر في الوصول إلى العدالة، والحرية، وتلبية الحاجات الأساسية للأفراد. والمرء يجد تلك الرسالة في نصوص الأدباء ونتاجاتهم، في الشعر والرواية والمسرح والفنون الجميلة الأخرى. ومن المعروف أن الأدب لا يجيب على التساؤلات والشكوك والهواجس والتمردات مباشرة، لكنه يدفع المتلقي إلى البحث عن أجوبة وسبل جديدة، فيوقظ الحس العقلاني والمنطقي لدى المتلقي، ونحن هنا نتكلم عن النتاج الرائد والأصيل الذي لا ينحاز إلا إلى الإنسان. ينحاز إلى الإنسان لا إلى مصالح الطبقة الحاكمة. "
وفي حالة المجتمع العراقي يمكن أن نلمس عدد لا يحصى من الروايات والنصوص الشعرية والأعمال الدرامية والمسرحية التي لم تخضع لإيديولوجيات بعينها، وهنا يذكر الانباري "وجدنا محاربة هائلة سعّرتها القوى المتسلطة سياسياً، واجتماعياً، ودينياً، تجاه هذا النمط من الأدب. وكان للرقابة دور في محاربة الابداع العراقي طوال العقود الماضية، في حقبة الديكتاتورية على وجه الخصوص، وهذا ما دفع آلاف الأدباء والمفكرين والفنانين للهجرة من البلد حفاظاً على الحرية الفردية في الإبداع، وطمعاً في ايصال الحقيقة إلى شعبهم. تم خلال سنوات طويلة منع النتاجات الجادة من الوصول إلى القارئ العراقي، كما استبعدت تلك النتاجات، وهُمّشت، كي لا تقع بين يدي المتلقي وتدفعه لاستخدام أجمل ما يملكه الكائن، ألا وهو العقل. "
أما قضية توظيف الجنس وفلسفته ودهاليزه النفسية والجسدية في الأدب العراقي يشير الانباري الى "أنها حوربت بشدة من قبل الرقابات الرسمية أولاً، ومن قبل مخالب الرقابات المجتمعية التي تتشدق بالأخلاق والفضيلة ومحاربة القيم الغريبة الوافدة ثانياً. وهي ظاهرة لا يجدها المرء في الثقافة العراقية فقط، بل تتسع لتشمل مجمل النتاج الثقافي العربي. ولهذا أسبابه التاريخية والمعاصرة، ولنا في تراثنا، وفي ثقافتنا المعاصرة، شواهد على سطوة اللغة المتعالية على الجسد، وانفعالاته، وتسمياته، وشذوذاته، نتيجة هيمنة المؤسسة الدينية، والقيم العشائرية، والقمع السياسي."
ثقافة الجسد متلازمة مع الحرية الفردية والجماعية، ومجتمعاتنا مصابة بمرض عضال اسمه غياب الحريات الفردية. فالحريات الفردية افراز لمجتمعات صناعية متطورة، وديمقراطيات راسخة، وتوجهات وقناعات مكتملة فصلت الدين عن الدولة، وتجاوزت السلطة الدينية في ادارة المجتمع وحاجاته وصراعاته. بينما لم تصل مجتمعاتنا إلى هذه المرحلة حتى اللحظة، بل وأمامها طريق طويل لتحطيم التابوهات الاجتماعية، والدينية، لذلك سوف تظل هامشية، متآكلة، سلبية، تقمع الجسد ولغته، وغير فاعلة في التطور البشري لفترات زمنية قادمة، قد تحسب بالعقود، وربما بالقرون.
الادب قرين بالمجتمع، ولكنه ليس انعكاساً له، يذكر الناقد محمد ابو خضير إن "الادب جزء من الواقع الاجتماعي العراقي لكنه ليس ملزماً بأن يكون انعكاساً لهذا الواقع، فهنالك ميزة مهمة وكبيرة للفن والأدب تختلف عن باقي النصوص، فالدراسات لاتعتبر ان النص الادبي استثناءً لأنه جميل ولكن هنالك نصوصاً شعبية، وهذا ما نجده مثلاً في أعمال بوب ديلان الذي قدم نصوصاً لموسيقى الهيبيز وهي نوع شعبي من الفنون إلا إنها لاتخلو من موضوعات مهمة وقيم جمالية."
وهنا علينا أن نتذكر إن المثقف اليوم ليس هو من يقرأ كتاباً فحسب، بل الثقافة تنبثق من مجالات عديدة ليكون بذلك الادب جزءاً من حيواتنا، أما فيما يخص التابوهات وكتاباتها، يذكر أبو خضير " إن كتابة التابو لا تعني أن نأخذه بأجوبة حادة، بل يجب أن يعنى الكاتب بكيفية المعالجة، فالبوح الجنسي الهائل لا يحمل فناً، يجب أن يكون هنالك لعب اسلوبي لتمرير هذه التابوهات، ليس خوفاً من الرقابة ولكن هذا وجوب بسبب القيمة الجمالية للعمل."
الأدب بالنهاية ليس عملية طرح قضايا كبيرة، بل هي أشياء يومية تجسد محنة كبيرة، والتابوهات تحتاج الى حنكة لتمريرها، ويحتاج الكاتب الى روي وهدوء أكبر لنقاش هذه القضايا.
من الصعب فصل الأدب عن وظيفته الاجتماعية، وعن مسؤوليته العضوية في تحفيز الوعي، وحتى في القيادة كما يرى غرامشي، فالجمال يكتسب قوته التواصلية من خلال الخطاب، ومن خلال التواصل، والتفاعل، وحتى في إثارة الاسئلة التي تخص الوعي والوجود..
يذكر الناقد علي حسن الفواز إن تاريخ الادب العراقي تاريخ اجتماعي وسياسي، ليس لأنّ أغلب المثقفين العراقيين مؤدلجين، وينتمون لأحزاب سياسية، بل لأنّ طبيعة المكونات المؤسِسة للثقافة العراقية ارتبطت بشكلٍ أو بآخر بالحركات الاصلاحية والتنويرية وحتى الدينية، وبماتحمله من قيمٍ اجتماعية تُعنى بالانسان وبحقوقه وحريته."
وأضاف الفواز قائلاً "أحسب أنّ الكتابة الأدبية اليوم تملك مسوغاتها في تأطير علاقة الثقافي بالاجتماعي، ومن خلال آليات وتقانات تتجاوز ماهو نمطي ومباشر، فالرواية اليوم أصبحت نظيرةً للتاريخ، وربما اسهمت في تقديم رؤى وافكار مغايرة، أُسهمت في توسيع مديات ماهو معرفي وجمالي وانساني، فضلاً عن انعكاس ذلك على أجناس الشعر السينما والتشكيل، إذ باتت تطرح اسئلة جديدة حول مفاهيم تخصّ الحياة وطبيعة ما يواجهه الانسان من تحديات وجودية تُهدد معيشه وحياته، وحقوقه وهويته وحريته."
أما عن قضية فهم الجنس وتداوله في الخطاب الثقافي يشير الفواز الى أنه "ليس سهلاً ومتاحاً في مجتمعات محكومة بتابوهات السلطة والمقدّس، وإنّ إباحة الحديث عنه- في الأدب- تحتاج الى أطرٍ والى معالجات فنية، والى سياقات تأليفية جادة تجعل من مادة الجنس غير منفصلة عن النص الثقافي في مستوياته المتعددة، واعتقد أنّ الرواية العراقية الجديدة كانت أكثر تعبيراً عن هواجس موضوع الجنس، وعن تمثلاته للعلائق والأزمات التي تعيشها الشخصيات الروائية نفسياً واجتماعياً وسياسياً، والتي يراها المعنيون بعلم النفس بأنها تعبيرٌ عن نزعات التطهير والخلاص، مثلما هي تعبير عن أزمات نكوصية وتشوهات روحية وصراعات داخلية، ليست بعيدة عن أزمة المجتمع، ونظرته للجنس ولحرية الجسد، وهو مانجد بعض أطروحاته في عديد من القراءات النقدية التي توظف المناهج والفلسفات في مقاربة الجنس ومعالجاته الثقافية."
افتقار المكتبة العراقية للكتب التي تخصّ موضوعات فلسفة الجنس أو التابوهات الأخرى يعكس في جوهره أزمة العقل الثقافي والسياسي العراقي، إذ ستخضع مثل هذه الكتب الى سلطة(الرقيب الاجتماعي والديني) أكثر من سلطة الرقيب الثقافي، فضلاً عن عدم وجود تقاليد ثقافية تسوّغ وجود مثل هذه الكتابات، فمازالت النزعة الادبية هي المهيمنة في التعاطي مع التوصيف الثقافي لموضوعات الجنس وغيره.
ليست هنالك ترضية بين الأدب والمجتمع، ولا يمكن لنص سردي أو شعري أن يحمل في طياته إرضاء لقارئ معيّن، يذكر القاص حميد المختار أن "النص يلقي بحمولته المعرفية للمتلقي، وهنالك من يرضى أو من يختلف معه، وليس من مهام الكاتب أن يضع أمامه ارضاء الناس لأن رسالة النص الادبي مقدسة وعادةً ما تكون هذه الرسالة منطقلة من ذات الكاتب."
أما ما يخص الثالوث المحرّم، ففي العهود الماضية كان من المستحيل كتابة موضوعات تمس هذه المنطقة، ويذكر المختار " كان الكُتاب الذين يكتبون بهذا المجال "أي التابوهات" يعيشون خارج البلاد وهذا ما يمنحهم حرية الكتابة بهذا المجال وذلك بسبب كسل وزارة الثقافة العراقية والجهات الحاكمة إضافة الى الرقابة ، نجد ان الاعمال الادبية ممنوعة من التطرق الى التابوهات ."
وأضاف المختار "مؤخراً وجدنا العديد من الموضوعات الالحادية وهذا نوع من كسر التابوهات مثل رواية "سلمان رشدي آيات شيطانية" وكذلك روايتي "حدائق فينوس" انها رواية ايروتيكية بامتياز، وقد أدخلت بها أدوات الجنس لإدانة النظام السياسي البائد."
وهنا بدأنا نجد أن الثالوث المحرم بدأ يتهشم ويتكسر في العراق بعد أن مُنح الكاتب جانباً بسيطاً من الحرية، ولكنها حرية خجلة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

إردوغان عن دعوة أوجلان إلى إلقاء السلاح: "فرصة تاريخية"

ترامب: زيلينسكي غير مستعد للسلام

حكمان عراقيان لقيادة نهائي كأس آسيا للشباب في الصين

إيران تعلن الأحد المقبل أول أيام شهر رمضان

وزير الكهرباء الأسبق: استيراد الغاز من إيران أفضل الخيارات

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

الكشف عن الأسباب والمصائر الغريبة للكاتبات

موسيقى الاحد: عميدة الموسيقيين

النقد الأدبي من النص إلى الشاشة

النوبة الفنيّة أو متلازمة ستاندال

صورة الحياة وتحديات الكتابة من منظور راينر ماريا ريلكه

مقالات ذات صلة

علاقة الوعي بالمعنى والغاية في حياتنا
عام

علاقة الوعي بالمعنى والغاية في حياتنا

ماكس تِغمارك* ترجمة وتقديم: لطفية الدليمي بين كلّ الكلمات التي أعرفُها ليس منْ كلمة واحدة لها القدرة على جعل الزبد يرغو على أفواه زملائي المستثارين بمشاعر متضاربة مثل الكلمة التي أنا على وشك التفوّه...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram