إياد الصالحي
واحدة من أهم مقومات نجاح أي مدرب مع المنتخب الوطني سواء كان وطنياً أم أجنبياً أن وجوده على رأس الملاك التدريبي لا يعني سطوته وديكتاتوريته المُقلقة للاعبين نفسياً وهو يقابلهم دائماً بوجه متجهّم معتقداً أنها كاريزما فرض الاحترام !! بل هي مُدعاة للكراهية والانتقام والتمرّد على أوامره داخل الملعب بما يؤدي الى خسارة كارثية أحياناً للخلاص منه.
يجب أن يشعر المدرب بأنه جزء من طاقم عمل ليس أفضل من أي فرد فيه إلّا بصلاحية تحدّد واجباته الفنية إضافة الى إبداء وجهة نظره في أمور إدارية يقوم بها مدير إداري المنتخب بصلاحيته الكاملة والأمر يتصل بمهمة مدرب حراس المرمى أيضاً فهو مدرب أول بتخصّصه وليس تابعاً أو مسلوب الإرادة بإمرة المدرب أثناء الاستئناس برأيه في التمرين أو خلال المباراة.
ما أثارت فيَّ لتناول هذه النقطة هي متابعتي لاستعداد المنتخب السعودي لرحلة المونديال، واستوقفتني احدى الصور المعبِّرة عن روح الفريق الواحد حيث يقف لاعبو الأخضر صفّين متقابلين ويمرّ وسطهما مدرب المنتخب الأرجنتيني خوان أنطونيو بيتزي وهو يرفع كلتا ذراعيه ليصدّ كفوف لاعبيه ويمنع ملامستها رأسه بطريقة (الكفخة) لتحيته، والابتسامة تعلو مُحيّا كل لاعب مدللة عن أريحية العلاقة الودية قبل بدء التمرين الخاص لمباراتهم الدولية الأخيرة مع المانشافت التي جرت أول أمس الجمعة، على ملعب باي أرينا في مدينة ليفركوزن الألمانية وانتهت بخسارتهم (1-2) وتعد البروفة الأخيرة لهم قبل مواجهة المنتخب الروسي الخميس المقبل في مباراة تاريخية برسم افتتاح البطولة 21 لمونديال الكبار.
إن العلاقة القوية التي تجمع مدرب السعودية بلاعبيه ليست وليدة ظرف حسّاس يقتضي فيه أن يكون تشريف الكرة العربية والآسيوية الهدف الأسمى في أجندة المنتخب، بل هي نتاج فكر محترف للاتحاد السعودي لكرة القدم ولجنته الفنية وتوافق المدرب مع التوجيهات الصادرة بخصوص تطويع كل الإمكانات من اجل إنجاح المهمة، فالعمل مع المنتخب غير، ولا مجال للتحسّس أو تحريك مشاعر لئيمة تزعزع استقراره، كل شيء محسوب بعناية لئلا يسرق لص النرفزة جهود وأموال فترة الاستعداد وبالتالي يفشل الجميع في إظهار الصورة الحقيقية لممثل عرب آسيا في التجمّع العالمي.
هذا ما كنا نعانيه باستقطاب مدربين أجانب أمثال فييرا وأولسن وزيكو حصراً الذين انقلبوا على اللاعبين بمزاج حاد كما حصل للأول في خليجي19 بمسقط عام 2009 وهكذا بالنسبة للثاني في تصفيات كأس العالم 2010، أما الثالث فحدّث ولا حرج، تولى المهمة وكأنها جبل على رأسه، فإذا كان يقترب نفسياً خطوة من الأسود وينزل من سلّم مكابرته درجة واحدة، فإنه كان يبتعد عن رئيس واعضاء الاتحاد بدرجات ولا يطيق الحديث أو مجالستهم، وغالباً ما يكلّف مرافقه لنقل وجهة نظره أو يستفسر عن شيء ما، حتى أنه في يوم مغادرته بغداد كنت وزميليَّ حيدر مدلول وطه كمر متواجدين في مقر إقامته ونقلنا تصريحات مهمة لرئيس الاتحاد ناجح حمود ونائبه عبدالخالق مسعود وعدد من الأعضاء عن شؤون كرتنا، وكذلك زيكو الذي أدلى بحديث خاص لصحيفة (المدى) ومجلة (حوار سبورت) عن آمال منتخبنا في تصفيات مونديال2014، المهم هنا أن جميع اعضاء الاتحاد ورئيسهم انتظروا زيكو أكثر من ساعة لينزل الى صالة الاستقبال وبعد أن فرغ من حديثه معنا سلّم بحرارة وأسرع بخطواته الى السيارة التي أقلّته الى المطار من دون أن يلقي تحيّته ويودّع أي شخص في الاتحاد ليلخّص هذا المشهد عمق الشرخ وحدّة الاستياء وعقم رغبة التواصل بين الطرفين، وبالفعل لم يكتم زيكو مشاعره بعد مقاضاته الاتحاد ونيله حقوقه، قائلاً " الاتحاد العراقي لم يتعاقد معي لتنفيذ أوامره، وإذا كانت تلك رغبة مسؤولي الاتحاد فلماذا لا يقومون هم بالتدريب؟" ونعرف بقية القصّة التي آلت برئيس الاتحاد السابق الى مواجهة حكم قضائي صادر بحقه مع وقف التنفيذ يخص مرتبات زيكو التي دفعت مرتين.
أن أية تجربة قادمة للتعاقد مع مدربين اجانب لقيادة المنتخبات الوطنية في ظل بقاء مجلس إدارة اتحاد أغلب أعضائه شهدوا أزمات كرتنا مع المدرب الاجنبي ولم يتغيّر شيء في سياسة التعامل معه، فمصير التعاقد سيكون الفشل الحتمي وضياع اموال أخرى، وبدلاً من أن يتلقى مدرب الأسود "كفخات" المزاح والترويح عن النفوس، فإن الأسود أنفسهم سيتلقون صفعات الهزائم تلو الهزام كنتيجة حتمية عندما يفقد المدرب الاجنبي ثقته بالبيئة الفنية للعبة في بلدنا، ويؤمن أنه محكوم بسطوة إدارية لا تفقه أصول العلاقة المهنية معه تحت تأثير عدم تخلّصها من سلوك القيادة الهاوية وأخطائها البالية!