في سنوات عقد السبعينات من القرن الماضي يوم كانت الحياة السياسية تشهد حالة من الاستقرار النسبي ، بوجود ما كان يعرف بالجبهة الوطنية كانت صفة التقدمي تطلق على الشخص صاحب الأفكار المؤمنة بالديمقراطية وتحرر الشعوب ، وحقوق المرأة وإلغاء الفوارق بين الريف والمدينة ونبذ العنف والعمل المسلح في تحقيق مكاسب حزبية ، في تلك الأجواء نشأ جيل من التقدميين وأحدهم "التقدمي" على استعداد للدفاع عن أفكاره بقوة وشجاعة ، بالمقابل كان هناك الرجعي المتخلف بحسب وصف ذلك الزمان ، والمعادلة اختلت مع مرور الوقت بفعل ما حصل من أحداث وانقلاب على "الجبهة الوطنية" وفرض هيمنة الحزب الواحد ،ثم دخلت البلاد في دهليز مظلم فحصل تقدم من نوع آخر يتجه نحو الوراء ، وفي بعض الأحيان نحو الجوانب ، فشهدت الحياة السياسية مسارا آخر مثل "أبو الجنيب " .
الجيل الجديد من العراقيين اليوم غير معنيين بالتقدميين والرجعيين ، لان المعادلة السياسية الجديدة لم تستند إلى هذه الثنائية ، لكونها ملائمة لزمن مضى وانقضى ، فأصبح الحديث عن التقدمي والرجعي استرجاعا لذكريات ربما انتقدها اليوم خصوم الأمس .
الصراع بين التقدمي والرجعي لم يقتصر على الجانب السياسي فقط بل امتد إلى نواح أخرى فالأول كان يواكب الموضة ، ويتابع آخر أغاني الكاسيت ، وأطلق شعره وارتدى بنطلون الجارلس وعرف بزلفه الطويل ، أما الثاني فظل محافظا على ثوابته بالزي والسلوك ، وقبل ذلك الأفكار ، وفي ذلك الزمان كان احد رجال الدين في منطقة الكاظمية يشن حملة يومية من منبره ضد أصحاب "الزلوف" لأنهم باعتقاده كفرة يروجون لأفكار تدعي أن أصل الإنسان قرد ، وأثناء المحاضرة ، حث الحضور على ملاحقة أصحاب الزلوف أي التقدميين في ذلك الوقت ، لأنهم يروجون لأفكار هدامة ، ويحاولون جر المجتمع لمستنقعات الرذيلة أجلكم الله ، وبأسلوب الممثل فريد شوقي في بعض الأفلام المصرية القديمة رفع صوته فسمعه حتى الطرشان "انقذوا دينكم" ، وفشل في تحقيق نجاح دعوته ،واستدل على ذلك من قلة حضور مجلسه في اليوم التالي .
بعد إعلان خراب "الجبهة الوطنية " شنت حملة لملاحقة رجال الدين فتطوع عدو نظرية النشوء والتطور ضمن الأجهزة الأمنية ، وانتهى به المطاف سائق سيارة أجرة بتكليف من دائرة امن المنطقة، ، وعلى يده ثم اعتقال العشرات ، وبعضهم تم تنفيذ حكم الإعدام بحقه ، باختصار قدم خدمة جليلة وكبيرة وقتذاك في القضاء على من يوصف بأنه يشكل تهديدا للنظام ، وهذا السجل كشفه بعد مرور سنوات رجال دين آخرون ، رفضوا أن يكونوا طرفا في صراع أو دعم توجه أو رأي ضد آخر ، واتخذوا موقعا وسطا بين التقدميين والرجعيين .
التقدمي لم يتقدم خطوة للأمام وكذلك الرجعي لم يغير المسار إلى الوراء ، واليوم هناك من يريد أن يحرك العجلة ، ولكن على طريقة أبو الجنيب بتبني حملة إيمانية بنسخة جديدة.