عدوية الهلالي
في كتابه (فن أن تكون على صواب)، يضع الفيلسوف الألماني شوبنهاور قواعدَ يمكن للمرء فيها أن يكون على صواب مهما كان محملاً بالأخطاء أو ناقص الحجة، ومن هذه القواعد قوله إن (المصالح أقوى من العقل)، فإذا كان المستمعون يشكّلون جزءاً من طائفتنا أو جماعتنا نفسها، وليسوا من طائفة الخصم، فإنهم سيجدون كل حجج الخصم مهما كانت جيدة، ضعيفة ورديئة، وحججنا بالمقابل صحيحة وسليمة.. ربما يفكر ساستنا بهذه الطريقة حتى لولم يقرأوا لشوبنهاور أو يعرفونه، فالمهم لديهم أن يكونوا على صواب، والصواب لديهم هو تحقيق أهدافهم ومصالحهم حتى لو كانت ضد العقل والمنطق وضد مصلحة الشعب، والدليل على ذلك أن العديد من خبراء المياه في العراق حذّروا ومنذ سنوات من عواقب بناء سد أليسو التركي ومن سوء ادارة ملف المياه والجفاف المتوقع حدوثه، ليس بسبب خلو وزارة الموارد المائية من خبرات وكفاءات عراقية كبيرة، بل لخضوع الوزارة لعملية المحاصصة والخضوع لحكومات منشغلة بكسب ود ورضا دول الجوار لضمان التشبّث بالمناصب أو تحقيق مصالح شخصية، وبالتالي لم يستمع أحد للخبراء على الرغم من قوة حجتهم وانتصرت المصالح على العقل فجرى اهمال قضية خطيرة يمكن أن تؤدي الى كارثة بيئية وحياتية، اذا ما استخدمت المياه كسلاح إرهابي في الحرب الجديدة القائمة على المصالح الاقتصادية وضمان مستقبل الدول الإقليمية على حساب ضياع ثروات بلدنا النفطية منها والمائية ..
الآن، أصبح سد أليسو التركي واقعاً معاشاً ومعه اقدام ايران على سد منافذ المياه وصار لزاماً على الحكومة العراقية أن تتخذ إجراءً يوقف الخطر الداهم وعلى الشعب العراقي أن يقف موقفاً جريئاً للدفاع عن حياته، لكن واقع الحال يقول أيضاً إن المطالبة بإعادة الانتخابات واللجوء الى الفرز اليدوي أهم بكثير لدى (المتضررين) في الانتخابات من حماية مياه العراق وحياة شعبه، وبدلاً من اتخاذ موقف جريء ومقاطعة البضائع التركية والايرانية أو التفاوض مع الدول الإقليمية بما يصب في مصلحة البلد، ستكون الأولوية للمصالح وستكون المحاباة بديلاً عن التصدي لحرب المياه ، وسيكون على الشعب العراقي أن يقبل بمصير بائس في مقابل أن يحقق قادته مصالحهم ويواصلوا عملية الخنوع .. والى إشعار آخر ..