متابعة: المدى
صدر عن دار المدى كتاب (من ذاكرة الطفولة والشباب) للأديب والمفكّر والفيلسوف الإسباني من بلاد الباسك ميغيل دي أونامونو.
في الكتاب انطباعات أوّلية وصور مبكّرة عن تقاليد اجتماعية ونظم تعليميّة ومبادئ تربوية وتصرفات طفولية ونزعات قوميّة وروح وطنية. كلّها في شكلها الخام وصورتها المبكّرة الأولية.
هو يستمدها من خزين ذاكرته ويعرضها عرضاً شيّقاً قبل أن ينتقل إلى زمانه الذي هو فيه ليصوغ الدرس والرؤية صياغة الرجل المفكّر والأكاديمي المجرّب والإنسان الذي عرك الحياة وعركته.
كثير من الطفولة ومن سيكولوجيتها ونشاطها وميولها وقليل من العظة والدرس، لأنّ أونامونو كما قال هو لا يؤمن بالدروس التي تنزل من فوق، بل يؤمن بالدروس التي نتعلّمها على قارعة الطريق وفي وسط الزحمة.
لذلك فالكتاب مهم. فكم منّا يذكر ما كتب طه حسين عن نفسه في الجزأين الأخيرين من الأيام؟، وكم منّا يذكر ويردد ما كتبه عن نفسه في الجزء الأول؟
ما علق في أذهاننا من أيّام طه حسين هو طفولته. بيته. قريته. الريف. الكتّاب. حفظ القرآن. أولى سفراته إلى القاهرة للدراسة في الأزهر.
هذا هو ما يشوقنا. لأنّ هذا هو ما لا نعرفه عنه وما لم نسمع به من أحد. فهو وحده من يعرف تفاصيل طفولته ودقائق صباه وفتوته. وهو وحده من يستطيع أن يحدثنا به، لأنّه لم يكن آنذاك شيئاً مذكوراً.
أمّا حين صار -طه حسين-. حين أصبح أستاذاً وعميداً ووزيراً فما عدنا في حاجة إلى حديثه لنا عن نفسه، فقد انتقل إلى فضاء الشهرة والبروز وصار ضمن منطقة المعرفة العامة الشائعة المبذولة.
هذا هو الفرق بين مذكرات الطفل الذي لم يكن شيئاً مذكوراً والرجل الذي صار يملأ الدنيا ويشغل الناس.
في مقدورنا أن نجد أونامونو الرجل في كل مكان.
أمّا أونامونو الطفل فلا نجده إلا في ذاكرة أونامونو الرجل. لأنّ الطفولة والصبا والشباب كما قلنا هي مراحل فيها من الحميمية والخصوصية ما لا نبلغه إلا بمعونةٍ ممن عاشها ولا نصل إليها إلا بتوجيهٍ ممن سار في دروبها.
دونكم أونامونو الرجل، الذي يتذكّر ويكتب عن أونامونو إبّان طفولته وصباه وشبابه.