إياد الصالحي
سيكون ممثلو العرب السعودية ومصر والمغرب وتونس في قلب الحدث المونديالي 21 الذي تضيفه روسيا اعتباراً من افتتاحه اليوم الخميس 14 حزيران حتى اختتامه يوم الأحد 15 تموز المقبل، وهم يؤدّون رسالة تاريخية مشرّفة لاخلاقيات العرب وحضارتهم ورقيّهم ومواكبتهم للتطوّر السريع للكرة العالمية، لاسيما أن أبرز نجوم المنتخبات الأربعة تتمنّاهم كبريات الأندية في أوروبا، وهذه فرصة لاستعراض المهارة والقوة وقيادة بلدانهم الى مراكز متقدمة.
أن ظهور المنتخب السعودي اليوم أمام المضيف الروسي في لقاء الافتتاح يمثل حدثاً نادراً عبر بطولات المونديال منذ الكأس الأولى عام 1930 بعدما أفتقد العرب فرصة التواجد في نهائياتها لأسباب كثيرة أهمها الفارق الفني والبدني والفكري مع المنتخبات المتقدّمة، لكنهم كسبوا شرف الحضور في أول افتتاح يكرّم قيمة الكرة العربية وطموحات فرسانها.
صراحة ، لن تكون كأس العالم الروسية حدثاً مجلجلاً لوسائل إعلام الدول المشاركة والمراقبة للمنافسة فحسب، بل ستكون مرفئاً مريحاً للناس من مختلف الأجناس والألوان والفئات، وتشكّل زاداً يومياً للعقول، تتلاعب بمزاجهم ونُظم شؤونهم المضطربة أصلاً وخاصة للشعوب المغلوبة على أمرها التي تعاني القهر والحرمان جراء الحروب الطاحنة، كأنها شهراً من الضبط الأسري المتناغم باحترام لمتابعة جدول المباريات، متناسين وجعهم ومخاوفهم وهمومهم..وحتى أولوياتهم في الحياة "إن وجدت" مانحة إياهم مصلاً مهدّئاً غنياً بالأمل لمواصلة العيش بإطمئنان.
المونديال وقفة مع الذات للتعلّم والاستدراك والتثقيف والاستمتاع بجمال اللعبة الحقيقية التي يلتفُّ حولها الجميع بتوقيت واحد، فهي المناسبة الوحيدة في الكون يلتقي عند موعدها الناس من مشرق الأرض إلى مغربها كل أربع سنوات، وهي البطولة الوحيدة التي تجذب إليها المشجّعون من كل أرجاء العالم لمناصرة منتخبات لا تمثل بلدانهم ولا تحمل راياتهم بخلاف تعصّبهم مثلاً في دورات إقليمية وقارية.
يتصاعد سقف متابعة المونديال بحرية مفتوحة تكاد تسقط مرّات تحت حوافر تهوّر مجاميع منفعلة خارج ملعب الروح الرياضية، وبالنتيجة يبقى اهتمام العالم بالمونديال مستمرّاً حتى بعد انتهائه ليشبّعه المحللون بقراءات مستفيضة، وتخضع مبارياته للتوثيق والمراجعة والتنقيب عن أهم المؤشرات الإيجابية للحالات الفنية ولسلبياتها أيضاً.
ستقدّم وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية تغطيات واسعة ومثيرة لكل مجريات كأس العالم 21 من الألف إلى الياء لتكون مرجعاً للمتخصّصين والمهتّمين من شرائح متنوّعة وومضات ساطعة للباحثين في شؤون المونديال كي يوثقوا أهم دروس رحلة روسيا بالكلمة والصورة.
فلاش باك: واحدة من أروع دروس أقرب مونديال هو سكون "ثورة الفقراء" البرازيلية 2014 إبان الإذلال الشنيع الذي تعرّضت له كرة بلادهم أمام ألمانيا في أمسية (بيلو هوريزونتي) 8 تموز 2014 حيث عمّقت جروحهم بسباعية أدمت القلوب، فالهدوء شكّل درساً لمن يهوى التمرّد الكيفي للتنفيس عن مشاعر مكبوتة ضد مصلحة بلاده بأن حُرمة الوطن أكبر من أي استحقاق مرحلي يمكن معالجة نكبته بتروٍ، ولهذا أرتضى أبناء البرازيل هضم الصدمة وعدم الانجرار وراء ثورة عارمة تطيح بهيبة المونديال على أرضهم وإفساد كرنفاله في الوقت الذي كانت مكائن طباعة الصحف البرازيلية تلتهم رزمها بسرعة مؤجّجة مشاعر السخط تجاه حكومة ديلما روسيف (رئيسة البرازيل السادسة والثلاثين للفترة من 1 كانون الثاني عام 2011 حتى 31 آب 2016 ، وأول إمرأة برازيلية في المنصب) بذريعة أن البطولة وفّرت دعماً انتخابياً لها قبيل حملتها واستنزفت أموالاً طائلة تكفي لإطعام الشعب خمس سنوات، ولم يحصل السيلساو على أي ميدالية بعدما هُزم بالثلاثة أمام الطاحونة الهولندية في مباراة تحديد المركز الثالث يوم 12 تموز 2014!
شعب البرازيل أثبت أنه أذكى وأرقى وأوفى من دعاة الوطنية من الإعلاميين، إلتَزمَ الصمتْ احتراماً لكرامة وطن المونديال.