إياد الصالحي
بعد أن أحدثت خسائر العرب بالاجماع ممثلة بمنتخبات السعودية ومصر والمغرب وتونس مباريات الجولة الأولى من دور المجموعات لبطولة مونديال روسيا الجارية بعروض متفاوتة بين الاستسلام التام والندية غير المؤثرة والمواجهة الشرسة، أصبح الموقف العربي محرجاً ومحبطاً للآمال ما لم تصلح كرتهم صدمة إيجابية تهزّ لاعبيهم ليصحّحوا مسار حظوظهم، وهذا الدور مناط بالفراعنة الذين واجهوا الدب الروسي في ساعة مـتأخرة من ليلة أمس، فالفريق المضيف ليس بتلك الهالة التي كسبها لولا ضعف المنتخب السعودي وتسليمه المباراة منذ الدقيقة 12 عندما أذن يوري غازينسكي بدء أهداف مهرجان الافتتاح.
نعم وحدهم الفراعنة بقيادة الأرجنتيني هيكتور كوبر واستشفاء الموهبة الفذة محمد صلاح مع وجود الأسد محمد الشناوي في المرمى يبعثون الأمل العربي على امكانية الذهاب أبعد من الدور الأول بفضل الوعي الكروي الذي يمتلكه المنتخب المصري كمجموعة زادت من حظوظ منافستهم بثقة كبيرة وروح معنوية تمنح وهجها السحري لملايين العرب وهم يتسمّرون في مقاعدهم أينما كانوا ليطمئنّوا على مصير الكرة العربية التي لم تكن في أوج تفوّقها طوال البطولات السابقة إلا مرة واحدة يوم 16 حزيران 1982 في ملعب خيخون عندما حطّم (محاربو الصحراء) غرور ألمانيا في النسخة 12 التي نظمتها إسبانيا وهزموها بهدفين لرابح مادجر ولخضر بلومي مقابل هدف يتيم لكارل رومينيغه!
كنا نمنّي النفس أن يسير الأحمر التونسي على خطى الفراعنة في إحداث قلق مستمر لدى الانكليز نظراً لامتلاك "نسور قرطاج" نخبة من لاعبين أشدّاء دفاعياً أسروا (الأسود الثلاثة) في معظم دقائق الشوطين ضمن وسط الملعب مع الجري السلبي وتوزيع الكرات بلا فاعلية نسبية، لكن ماكنة تونس الهجومية لم تزل شبه معطلة وكأنها تؤدي واجبها بخجل مهابة من المنافس، ووحده البطل فخر الدين بن يوسف كان رجل المباراة بالنسبة لكتيبته نبيل معلول ونعّول عليه الكثير من العطاء في مقابلتي بلجيكا وبنما.
ويا له من تحدٍ صعب برسم البقاء في المونديال أو مغادرته رسمياً عندما يخوض المنتخبين المغربي والسعودي لقائي القمة أمام البرتغال والاورغواي بالتوالي اليوم الأربعاء، فالمغاربة الأشداء فرّطوا بفرصة التعادل السلبي أمام إيران في انطلاقة مشاركتهم وقدّموا عرضاً قتالياً هدّدوا فيه مرماه عدة مرات، لكن تسرّع مهاجموه أفسد محاولاتهم، فضلأً عن الخطأ الشنيع الذي ارتكبه عزيز بوهدوز باحرازه (هدف عكسي) أصاب معنوياتهم في مقتل، لذا يتوجّب على المدرب الفرنسي هيرفي رينارد أن يحسب حساب قوة البرتغال وإصرار العملاق كريستيانو رونالدو على انتزاع لقب هداف كأس العالم أول مرة ليضيفه الى منجزاته التاريخية ويعيد اسم بلاده الى لائحة زعماء الهدافين بعد أن سبقه مواطنه أوزبيو نجم مونديال 1966 باهدافه التسعة، وستكون الفرصة متاحة له لتكرار (هاتريك) اسبانيا إذا غفل (أسود الأطلس) عن مراقبته وتباطؤوا في مبادلة الهجمات أو تراجعوا للدفاع قتلاً للوقت فليحذروا لا أمان مع الكرة في أوقاتها العصيبة، وعليهم أن يستعيدوا ثقة الحاضر كسفراء لوطنهم وروح انتصار الماضي من ثلاثية عبدالرزاق خيري (هدفين) وكريمو ميري في مونديال المكسيك 1986ويواصلوا الرحلة الخامسة بنتائج مميزة.
أما السعودية ممثلة عرب آسيا، فلا مكان للكسالى في امتحان المونديال، وما توبيخ رئيس هيئة الرياضة العامة السعودية تركي آل الشيخ في مقطع فيديو عقب هزيمة منتخب بلاده بخمسة أهداف نظيفة أمام روسيا بوقت قليل إلا تحفيزاً للاعبين غير المؤهلين بارتداء القميص الأخضر، وعليهم أن يثبتوا عكس ذلك اليوم أمام اورغواي المتسلّح بصاعق لويس سواريز الهداف التاريخي لبلاده بـ 51 هدفاً في جميع المناسبات الدولية التي شارك فيها، فالمستوى الهزيل الذي أظهرته الكرة السعودية في افتتاح المونديال 21 خيّب آمالنا جميعاً، ونطالب اليوم بتغيير الصورة كالتي عرفناها عنها في تصفيات آسيا المؤهلة، وصراحة لم يكشف المدرب الأرجنتيني خوان أنطونيو بيتزي عن قدراته التكتيكية وهو يعي جيداً الأوراق التي يمتلكها (السيليستي) بحكم انتمائه للبيئة الكروية ذاتها، أمر غاية في الأهمية يُعزز فرصة حسم الصراع الفكري للمباراة مع نظيره أوسكار تاباريز.
وفي عموم الرؤية المنصفة، ما لم ينتصر اللاعب العربي على الشعور بالخوف في المعترك المونديالي ويؤكد أنه جاهز لمقارعة كبار المنتخبات بمن فيها حاملة كؤوس البطولة يبقى وجودهم مضيعة للوقت واستعراض إعلامي مصدِّع وهدر أموال طائلة أحوج اليها شعوبنا المنكوبة والغارقة في محن الحرب والجوع والقهر، فلا تزيدوا عليها وجع الكرة وهزائمها المذلّة.