علاء المفرجي
يأتي فيلم (ماري شيللي) الذي أنتج العام الماضي وعرض في غير مهرجان منها مهرجان دبي، والذي يتناول سيرة الكاتبة ماري شيللي التي عرفت بروايتها الشهيرة (فرانكشتاين) أو بروميثيوس الحديث، قامت بإخراجه المخرجة السعودية هيفاء المنصور، متزامناً مع احتفال العالم بالذكرى ال (200) لكتابة هذه الرواية.. حيث كتبت الكثير من الدراسات والكتب التي تهتم بهذه الرواية ولعل رواية الكاتب أحمد السعداوي (فرانكشتاين في بغداد) التي نالت العديد من الجوائز الأدبية هي ضمن ما كتب عن الرواية من حيث المعالجة الجديدة لها.
وقد تناولت السينما هذه الشخصية المسخ منذ عام 1910 بفيلم من انتاج العالِم توماس اديسون أحد مخترعي فن السينما، بأكثر من خمسين فيلماً، لعل أهمها فيلم المخرج كينيث براناه الذي جسد في الممثل روبرت دي نيرو شخصية فرانكشتاين.
الفيلم ينتمي لأفلام السيرة الذاتية حيث يتناول سيرة حياة الأديبة الانكليزية زوجة الشاعر بيرسي شيللي الذي ألهمها كتابة هذه الرواية التي تعد أول وأشهر رواية رعب في الأدب، من مرحلة الصبا حتى شيوع عملها الأثير.
فماري شيللي ولدت في لندن لعائلة مثقفة، إذ أن والدها الكاتب والمفكر ويليام غودوين ووالدتها الكاتبة ماري وولستونكرافت التي كانت من أولى المدافعات عن حقوق المرأة، وتوفيت إثر ولادة ابنتها التي نشأت في جو من الحرية والثقافة العالية. ومع كون ماري شِللي كاتبة مبدعة فقد عاشت في ظل زوجها الشاعر الكبير، وتوفيت في لندن بعد أن قامت بجمع وتحقيق وتقديم ونشر مؤلفاته مع شروحاتها عليها. عندما تعرّف عليها شِللي رأى فيها من يفهمه ويجاريه في الفلسفة والشعر فتحابا، مع كونه متزوجاً هارييت وستبروك التي كانت من طبقة اجتماعية أدنى، وهربا معاً إلى فرنسا ثم إيطاليا حيث أقاما ، وخلال زيارات متقطعة لإنكلترا. تزوجت شِللي بعد انتحار زوجته الأولى عام 1818، وأنجبا عدة أطفال لم يبق منهم على قيد الحياة سوى واحد هو برسي فلورنس.
أرادت المخرجة تسليط الضوء على الكاتبة من حيث عملها المهم (فرانكشتاين) وليس فقط تتبع سيرتها، والتي سنرى إنها تتقاطع مع سير لحيوات لاتقل شأنا في عطائها الابداعي، فبيرسي شيللي الذي يعد واحداً من أفضل الشعراء الغنائيين بالإنكليزية. عرف بقصائده القصيرة أوزيماندياس، أغنية للريح الغربية، إلى قبرة. وقصائده الرؤيوية الطويلة: ألاستور، أو روح العزلة، ثورة الإسلام، أدوناي، بروميثيوس طليقاً وغيرها. إضافة الى وليم غودوين الفيلسوف الذي عرف بكتاباته الداعية إلى اللاسلطوية و النفعية. وزوجته ماري ويلستونكرافت الكاتبة والفيلسوفة البريطانية المناصرة لحقوق المرأة.
لكن المخرجة استطاعت أن تلتقط حياة الكاتبة شيللي بكل تداعياتها: وفاة أمّها بعد ولادتها بعشرة أيام، هروبها من بيت والدها، لقاءها بالشاعر بايرون، ثم كتابتها للرواية.. وهي أحداث متسلسلة لم تغمط خلالها التعريف بالشخصيات التي ورد ذكرها وبشكل خاص الشاعر شيللي، وإن لم يكن تناولها بالشكل الذي تستحقه هذه الشخصيات وأدوارها الابداعية المهمة.. وحتى في تناولها للسيرة الابداعية للكاتبة لم نتعرف إلا على ظروف كتابة فرانكشتاين على الرغم من أن لشيللي أعمالاً روائية أخرى ومنها الرواية التاريخية (فالبِرغا، أو حياة ومغامرات كاستروشو أمير لوكّا) و(الرجل الأخير) وغيرها.
فغالباً ما تكون السيرة شاملة ، إذا كانت لديك حياة ،أفكار ، جوهر شخصية ، كلها في مكان واحد . وحياة فرد تكشف عن حقائق كونية عن الحالة الإنسانية . فالسيرة تنقِص من أسطورة الشخصية ، فتجعلك تراها على مستوى إنساني أكثر ، في ضعفها وأخطائها.