عبدالله السكوتي يحكى انه كان في الزمن الاول ملك يشرب هو واهل مملكته من ماء السماء، فقال له منجموه: انا نجد في كتبنا انه من شرب من ماء السنة المقبلة اصيب بالجنون، فان رأى الملك ان يأمر بادخار الماء لنفسه وخاصته فليفعل فلا يشربوا من ماء السنة المقبلة؛ فأمر بالمصانع فامتثلت لما امر وادخر فيها من الماء مايكفيه ويكفي خاصته،
فلما سقط المطر وشرب الناس منه تغيرت عقولهم واختلطوا، وشرب الملك من الماء الاول هو والذين معه فلم يصبهم ما اصاب الناس، وحين رآهم الناس خلاف حالهم قال بعضهم لبعض: ان ملكنا قد جن هو واصحابه، وما الرأي الا في خلعه واستبداله بملك عاقل منا لم يتغير عقله، فبلغ ذلك الملك فقال لوزيره وكتابه ومنجميه: قد ترون ما اجمع عليه هؤلاء فما الرأي؟ قالوا: الرأي ان تشرب من مائهم حتى تصبح مثلهم فلاينكروا منك ولامنا ما انكروا، ففعل فتغير عقله وصار مثلهم ، فلما رأوا منه ذلك قالوا: قد برئ الملك وصلح فأقروه.تذكرت قولا قاله (احميد الفهد) لي في يوم ما حين جلسنا في مكان معين، لاتكن صاحياً بين السكارى، لانهم سيرونك مختلفا عنهم وبالتالي تكون انت في واد وهم في واد آخر.نعم هي ذات القاعدة التي يكون فيها المسؤول بعيدا عن الناس لايفهمهم ولايفهمونه، لايبرح مكانه الافي عمل دبلوماسي، كأن يستقبل او يودع او يقوم بجهد سياسي او يزور بلدا آخر، اما الشعب فهو منعزل عنه لايدري حاله ولايعرف عنه شيئا سوى ما تذيعه نشرات الاخبار. على جميع المسؤولين ان يشربوا من الماء الذي يشرب منه الشعب، مهما كان هذا الماء حتى ان كان ملوثا بالامراض، فلنتلوث جميعا، والا ماقيمة بقاء الملوك بمفردهم وعلى من سيصدرون احكامهم وبرأس من ينفذون برامجهم السياسية والاقتصادية.على هذا الاساس لاخلاف على رئيس الوزراء ان كان قد شرب من الماء الذي شرب منه الشعب ، ولايهم من اي الكتل سيكون، خصوصا اذا تكلم بلغة الشعب؛ كثيرا مابقيت بأذهاننا صورة الزعيم او الرئيس المخلص لشعبه، والذي بقي كالاسطورة كلما مرت عليه السنون ازداد بريقا ولمعانا ، ومهما تقادم عهده بقي حاضرا في اذهان الناس يتناقلون احاديثه، ويشتاقون الى سني حكمه.في تصوري ان المنصب مسؤولية كبيرة ، وهو ليس كسبا ماديا كما يتصور البعض، ولو انه تحول في هذه الفترة الى هذا الاتجاه..، ربما تعد على المسؤول خطواته، وتراقب كلماته وما يقول او يفعل، ونحن نعلم ان عظيما كان يتذمر من المنصب ويحمل نفسه تبعات اي خطأ يحدث او اي جائع يتضور، حين قال: (أابيت مبطانا وحولي اكباد غرثى)، هذا الرجل مضى محمود السريرة والعلن ، لكن المصيبة في من يزيد من جوع الجائع ليعطي (للمتخوم) ، كما فعلت وزارة المالية التي لم تشرب من ماء الشعب فاعطت للمدير العام قرضا بـ(100 ) مليون دينار وتركت المساكين وكأن المسكين المدير العام فقير معدم وهي تعلم ان مخصصاته بقدر رواتب اربعة موظفين اذا لم نقل عشرة؛ هذا الحديث مؤلم لنعود الى تشكيل الحكومة الذي اعيا المحللين السياسيين، وهو لايعدو ان يكون مسؤوليات اضافية ينوء تحت وطأتها من يتسلم رئاسة الوزراء، اذا كان بالمواصفات التي ذكرناها وقد شرب من ماء الشعب، اما اذا اعتبر المنصب غنيمة وسعى اليه بطرق ملتوية فهذا الذي سيعيدنا قرونا الى الخلف.سبع سنين مرت ونحن بعد نستورد (الموطا) من الدول المجاورة في حين ان بقرتنا حلوب وكما قال احمد فؤاد نجم:( ناح النواح والنواحه على بقرة حاحه النطاحه والبقره حلوب تحلب قنطار لكن مسلوب من اهل الداروالبقره تنادي وتؤول يولادي واولاد الشوم غارقين في النوم )
هواء فـي شبك: (شرب من ميهم وصار منهم)
نشر في: 19 إبريل, 2010: 08:24 م