TOP

جريدة المدى > عام > ثقافة السياسي الناقصة

ثقافة السياسي الناقصة

نشر في: 23 يونيو, 2018: 07:25 م

 ياسين طه حافظ

صحيح كان لنا من له علم في اللغة وعلم في العقيدة أو في الفقه. وكان لنا في القرن الرابع الهجري وما بعده ناس عارفون باللغة وأسرار بلاغتها وبالتفسير و عارفون في الفلسفة والرياضيات والفلك. لكن أولاء أفراد ولا يشكلون نظاماً لعلماء الدولة أو مثقفيها المساندين أو المعارضين للخليفة أو الوالي. وحين كان يتهيأ بارع في علمه وفنه أو خبرته، كان ينفع الحاكم برأي سديد يدفع عنه شراً أو خسارة.

في عصرنا الحديث ما عاد ذلك أمراً ثانوياً أو تتحكم به الصدفة أو المناسبة ولا المزاج والقربى ولا يقتصر على بضعة أفراد ممن يحيطون بالحاكم ويعيشون بنعمائه. اليوم برامج ومختبرات ومعاهد متخصصة بدراسات بلدان العالم، بالشرق الأوسط مثلاً أو متخصصة بشرقي آسيا أو بهذه الفرقة أو هذه الطائفة. فالكلام يعتمد علماً والتصرف يتم بنصح أو برأي متخصصين في المسألة و الملمين في جوانبها المختلفة.
لا وزير في العالم اليوم ولا رئيس دولة ولا حتى رئيس مركز يطلق قرارات فردية ويأمر بتنفيذ أمر إلا بعد أن يكون قد اطلع على ما قُدّم له بشأنها. مما يجعله يرى حاضر المسألة ومستقبلها وما قد يعقب الإجراء.
بالنسبة لنا يبدو إننا ما نزال نعمل بطرائق وأساليب الإقطاع. فالاقطاعيون الكبار، الشيخ مثلاً، يريد هذا أو لا يريده وهو يصدر حكماً قد يأتي عليه وعلى أتباعه بالثبور. تغير العالم وأساليب الإدارة تغيرت أيضاً وأنظمة المجتمع تطوّرت وهي ماضية الى مزيد من التطور ونحن فرديون في الرؤية، وفرديون في القرار نعتمد على ما يروق لنا مما يقال ومما نسمع ومما قد يُدَس لنا قصد الإيقاع أو قصد النفع ... لا علم! وإن كان هناك علم وناصحون فعلمهم قديم ونقص ثقافتهم التكميلية واضح من فقر المقترح أو لا جدواه .
أزمة المياه مثلاً التي شاءوا لها أن تكون جديدة، وما هي كذلك، كشفت بعضاً من ذلك العيب الكبير الذي تحدثت عنه. ومع وجود مستشارين ومع وجود بيانات ووثائق، ومع مخاطر ونذُر واضحة سمعنا بها ورأيناها، لكننا كأنما نسمع بها أول مرة، فزعنا من الخبر ورحنا نقذف التعابير ضد الجارة تركيا وضد الجارة إيران وبدأت تتوالى الاقتراحات والتحريضات الصبيانية السريعة. كأنْ قاطعوا بضائع هذا البلد وبضائع ذلك، ولا أحد يسأل من أين يعيش الناس في العراق وأية أزمات جديدة إذا ما أخذنا بآرائهم . ومع تقديرنا لاستيائهم وانفعالهم، لكن العلاقات الدولية، بخاصة مع الدول المجاورة، ليس من السهل الاستهانة بها . ثمة ضرر، نعم. ثمة ميل الى الذات، لنفع بلدانهم مما يسبب الأضرار لبلادنا، هذا صحيح. لكن الحلول تصنعها المعرفة والعقول المتخصصة والتفاهمات الدولية وأيضاً معرفة النفس إن كان ثمة تقصير أو عدم انتباه للمستقبل بما يخص الشأن الجغرافي وتحولات المناخ وخطط البلدان المجاورة في الإصلاح والتأسيس بموجب ذلك للمستقبل. الحلول لا تأتي بعد حدوث الأزمة أو على وشك حدوثها. الحلول تتنامى عبر سنين تسبق التحول والتوقعات.
لنا اليوم مشاريع متوقفة: مستشفيات بطابقين منشآت لم تكتمل، مدارس وسواها... هم يقولون مشاريع متوقفة ولا يقولون رؤوس أموال مجمدة. إن رجلاً اقتصادياً يعرف مستقبل حال البلد الاقتصادي ومستقبل أو تحولات سوق النفط ، لا يبدأ بمشاريع ثم يتركها الى النصف لأنه لايملك ما يكملها به.
ومن طرائف ما سمعنا، ولا ندري أنتأسى ونأسف ثم نبتسم هزواً، "مشروع مترو بغداد" ويأتي مشروع النقل النهري والإعلان عن قرب البدء بـ تاكسي النهر. ولا أدري أين يسير تاكسي النهر ودجلة يتناقص أو يجف ماؤه. هل يسير تاكسي النهر في شارع الرشيد أو في شارع الشيخ عمر يا سيادة الوزير المبتهج بمشروعه وقرب أن يتنقل الناس في تكسيات النهر وكأنه في هولندا حيث القنوات متصلة بالبحر فلا تنفد ولا تتناقص مياهها. وطبعاً هو لم يفكر بمشاريع تركيا التي صرنا نواجهها اليوم وجهاً لوجه.
أظن أن علماً حقيقياً راسخاً، لا ادعاء علم ومعرفة ومستشارين متخصصين جادين، ذوي تكامل معرفي في المسألة بكل جوانبها، يمكن أن تنقذنا من هكذا مشاريع هوائية مضحكة. وها نحن لا مترو بغداد ولا شوارع جديدة و لا مدارس يكتمل بناؤها ولا المستشفيات المتوقفة للنصف منذ سنوات ولم تجد حلا.
لا يكفي أن يكون الوزير متخصصاً وله مستشارون. ما يوجب ويضمن النجاح هو التكامل المعرفي من طبيعة التربة الى المياه الجوفية الى الانفجار السكاني الى قلق أسعار النفط الى مشكلة الغذاء في العالم وعدم ثبات مصادره وأسعاره الى أزمات البلد الداخلية وأخلاقية المجتمع التي صار يعرف بها القاصي والداني. أيضاً، كيف تعمل السياسة الدولية في المنطقة ومشاريعها.
أما العمل بمعرفة محدودة وببضعة مستشارين بتخصصات حتى إذا كانت جديرة، فهي ضيقة محدودة تهتز إذ تفاجئهم الجوانب الأخرى غير المتوقعة والتي خارج التخصص فتخرب كل شيء وليس غير الوزير يبقى أنيقاً في مكتبه والمشاريع إما صارت خرائب أو هي تنتظر بلا أمل بينما مشاكل جديدة تتقدم

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

إردوغان عن دعوة أوجلان إلى إلقاء السلاح: "فرصة تاريخية"

ترامب: زيلينسكي غير مستعد للسلام

حكمان عراقيان لقيادة نهائي كأس آسيا للشباب في الصين

إيران تعلن الأحد المقبل أول أيام شهر رمضان

وزير الكهرباء الأسبق: استيراد الغاز من إيران أفضل الخيارات

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

الكشف عن الأسباب والمصائر الغريبة للكاتبات

موسيقى الاحد: عميدة الموسيقيين

النقد الأدبي من النص إلى الشاشة

النوبة الفنيّة أو متلازمة ستاندال

صورة الحياة وتحديات الكتابة من منظور راينر ماريا ريلكه

مقالات ذات صلة

علاقة الوعي بالمعنى والغاية في حياتنا
عام

علاقة الوعي بالمعنى والغاية في حياتنا

ماكس تِغمارك* ترجمة وتقديم: لطفية الدليمي بين كلّ الكلمات التي أعرفُها ليس منْ كلمة واحدة لها القدرة على جعل الزبد يرغو على أفواه زملائي المستثارين بمشاعر متضاربة مثل الكلمة التي أنا على وشك التفوّه...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram