ترجمة/ المدى
" بدون الأطفال كنت سأقتل نفسي" قالت، كوشير، أمٌ ايزيدية من العراق عاشت سنتين أسيرة لدى داعش. الفظائع التي عانتها تركتها مليئة بالغيظ، حيث لايزال ثلاثة من أطفالها مفقودين .
منذ عودتها لاتزال، كوشير 40 عاماً، ترتدي الأسود فقط . الزمن لا يشفي جميع الجراح، كيف وقد رجعت من جهنم . منذ حصولها على حريتها من تنظيم داعش، تعيش كوشير مع زوجها محمود وبناتها الصغيرات الخمس على السهل المنبسط الواسع لجبل سنجار في شمال العراق .
انهم لاجئون تقطعت بهم السبل داخل بلدهم . آلامهم الأخيرة لايبيحون بها داخل العائلة. تقول، كوشير، في اشارة فقط لألمها "لقد فات الآوان بالنسبة لي ."
أفكارها متعلقة دائماً بأبنائها الكبار المفقودين الثلاثة، سعدون 22 عاماً وفراس 18 عاماً وابنتها الأخرى، آفين، البالغة من العمر 15 عاماً. مكان تواجدهم لايزال مجهولاً. الأمل الغامض بعودتهم فقط من يبقي، كوشير، منقادة للتشبث بالماضي .
خلال ليالي الأرق الكثيرة التي تعيشها تتعذب بالسؤال الذي يتراود في ذهنها، وهو لماذا هي بقيت ضمن الناجين . بناتها الخمس، اللائي تتراوح أعمارهن بين أربعة الى 13 عاماً، يرتعبن في الليل أيضاً. بالنسبة لكوشير، ليس هناك من شك في أنها كما قالت "بدون الأطفال كنت سأقتل نفسي ."
الكابوس الذي يراود، كوشير، بدأ في 3 آب 2014، عندما اجتاح مسلحو داعش منطقة سنجار شمالي العراق، التي كانت على مدى قرون معقل الطائفة الايزيدية في البلد. وبالنسبة لمسلحي داعش، فإن الايزيديين يعتبرون كفاراً .
ارتكب الغزاة أعمالاً وحشية لايمكن تصوّرها تضمنت الإعدامات الجماعية التي صنفتها الأمم المتحدة على أنها إبادة جماعية. في آب عام 2014 توجه مايقارب من 50,000 إيزيدي صعوداً تجاه جبل سنجار طلباً للحماية، وبرفقة عوائل آخرين من منطقتها السكنية تحدّت كوشير وأولادها الثمانية مصاعب الطريق . زوجها محمود بقي وراءها يعتني بوالديه المسنّين .
المجموعة التي كانت ترافقها كوشير تمكّنت من قطع نصف الطريق في صعود الجبل عندما اعترضهم مسلحو داعش الذين قتلوا قسماً منهم واقتادوا آخرين أسرى معهم .
وقالت كوشير في حديث لموقع DW الإخباري، من دون أن تذكر كلمة اغتصاب "لقد أخذوا أيضاً نساءً أكبر مني سنّاً وأجبروهن على الزواج من خمسة أو ستة رجال . يستبدلون النساء مقابل سيكارة ويقدّمون أخريات كهدايا."
بين فترة وأخرى يتم فصل كوشير وأمهات أخريات عن أطفالهن . لقد فقدت الاتصال مع أبنيها الكبيرين وابنتها آفين، التي أجبرت على الزواج من مسلح تابع لداعش في الموصل. لقد جلبوها للقاء أمّها مرة واحدة فقط . كانت البنت ترتدي رداءً أسود مع غطاء كامل للوجه. ومنذ ذلك الوقت لم تكن هناك أي اشارة أخرى على بقاء آفين على قيد الحياة .
لقد تم بيع كوشير وأطفالها الصغار الخمسة كما تباع الخضرة والفاكهة من عربة دفع، أولاً بيعت داخل العراق ثم عبر الحدود داخل سوريا. وقضوا الأشهر القليلة الماضية في زنزانة مظلمة في الرقة مع 50 امرأة وطفلاً آخرين، وغالباً ماكانوا يعانون الجوع والخوف من الغارات الجوية .
في وقت ما من صيف عام 2016 تم تحرير المجموعة، ربما بمساعدة عن طريق فدية قدّمت من حكومة إقليم كردستان، ولكن كوشير لاتعرف تفاصيل إطلاق سراحهم، وتذكر فقط أنه تم وضعهم في باصات نقلتهم عائدين الى العراق. ويُعتقد أن تنظيم داعش قد سبى نحو 7 آلاف امرأة وطفل عاد نصفهم فقط لغاية الآن .
أعيد لمّ شمل كوشير مع زوجها في إقليم كردستان شمال العراق الذي التحق خلال فترة افتراقهما مع قوات البيشمركة لمحاربة داعش في سنجار . وعند لقائهم أوّل مرة مع والدهم، لم تتمكن ابنتاه، اسماء 4 سنوات وباسمة 6 سنوات من التعرّف عليه .
وأردفت كوشير بقولها "بعض الأحيان ومن أجل البحث عن الراحة أبكي مثل المجانين، ولكن ليس أمام الأطفال أبداً. أنا لم أعد طبيعية واخبروني الأطباء بأن الدواء قد يساعد في تخفيف الآلام، يقولون بأنني أفكر كثيراً."
منذ إعادة لمّ شملهم والعائلة تعيش في مجمع للخيام نصبت على جبل سنجار، حيث توجد هناك نحو ألفي عائلة يقدّر عددهم بحدود 10 آلاف شخص يعيشون متحدين الظروف الجوية ويخشون المغادرة .
تسلّمت كوشير وزوجها 20 رأس غنم من منظمة خيرية مسيحية لمساعدتهم على تحقيق مصدر للعيش، وبالنسبة للفتيات، فإن الحيوانات تشكّل وسيلة مرح لهن. العائلة مكتفية غذائياً الآن، حتى أن هناك مولدة ديزل لتوليد الكهرباء وتلفازاً، ولكنهم ما زالوا مكبّلين بذكريات الماضي المؤلمة .
كوشير وزوجها محمود وأطفالها، قدّموا مؤخراً طلباً لبرنامج مساعدة سيسمح لهم بالهجرة بعيداً الى استراليا. بالطبع أنهم لايريدون ترك أولادهم المفقودين الثلاثة وراءهم، وهناك أيام نادرة قد يستطيع هؤلاء الأفراد الايزيديون العودة خلالها من الأسر والاستعباد عن طريق دفع فدية بأكثر من 10 آلاف دولار بمساعدة مهربين .
وكان محمود قد اتصل بمهربين أيضاً. وتقول زوجته كوشير "لو عاد أطفالي بعون الله، سنغادر العراق فوراً، لقد سئمنا من العراق."
عن: موقع DW الألماني