إياد الصالحي
يواجه الاتحاد الدولي لكرة القدم انتقادات حادّة لا تخلو من الاتهامات المبطّنة والمعلنة التي تشكّك في نزاهة إصراره على تطبيق نظام " فـار " VAR حكم الفيديو المساعد Video Assistant Referee الذي أثار موجة من المعارضة بين المنتخبات المتضرّرة من تطبيقه بدون عدالة، لاسيما تلك التي لا تصنّف مع الكبار في بطولة كأس العالم الحادية والعشرين الجارية في روسيا حالياً، الأمر الذي يتوجّب توقّف مسؤولي الفيفا عند النظام ويكفّوا عن تكرار عبارة "النقد حالة صحية لعدم التطبّع على النظام بعد"!.
لم تثر تقنية خط المرمى التي طبقها الفيفا في بطولة كأس العالم العشرين التي جرت في البرازيل 2014 أي احتجاج رسمي وشعبي بين أوساط المنتخبات المشاركة ووسائل الإعلام كونها محدّدة بالكشف عن دخول الكرة المرمى فقط بعد أن أجّج الحكم الأورغوياني خورخي لاريوندا غضب الجميع بعدم احتسابه هدفاً صريحاً لانكلترا في مرمى ألمانيا ضمن دور الثمانية لمونديال جنوب أفريقيا 2010 عقب تسديدة قوية من فرانك لامبارد ارتطمت بالعارضة ودخلت بحجمها كله خلف خط مرمى مانويل نوير، وبعدها بيومين قرر الفيفا أنه لن يسمح بمرور هكذا فضيحة دون موقف شجاع منه واطلق تكنولوجيا خط المرمى لإنصاف الهدف الشرعي من غبن الحكم.
اليوم جاء نظام "فـار" ليثير النقمة ضد الحكام ومن خلفهم الفيفا، إذ أن تطبيقه اللا محدود ولّدَ استياءً عارماً حتى لدى مدربي المنتخبات الذين يشعرون بالسعادة من قراراته في مباراة سرعان ما يتذمّرون منه في مباراة أخرى، طالما أن الفيفا لم يحدّد جزئية معينة تسمح بتطبيقه كما جرى في النسخة السابقة، بل سعى هذه المرة من خلاله الى الإقرار بصحة الهدف عند اجتياز الكرة خط المرمى، وإشاعة اللعب النظيف بإظهار اللاعب المعتدي، واستخدام البطاقة الحمراء للمخالفة المستحقّة والأهم من كل ذلك منح ركلة الجزاء السليمة دون أي شك أو جدل.
يرى الفيفا أن النقاط الأربع تبرّر وتبيح له استخدام نظام "فـار" في البطولة، لكن ما يثير الاستغراب هو تصريح رئيس لجنة الحكام في الفيفا بيرلويجي كولينا في لقاء تلفازي أكد فيه، أن هناك توجيهات اعطيت للحكام المساعدين بعدم رفع الراية حال وجود حالة تسلل، بل تستمر اللعبة، ومن الممكن أن يُسجِّل اللاعب المتسلّل هدفاً فلا تتهموا الحكم المساعد بالتواطؤ لأنه يلتزم بتعليمات تسمح لحكم المباراة أن يلجأ الى التلفاز لإعادة اللقطة إذا كان هناك شك واعتراض من الفريق الخاسر!
أية ذريعة هذه يريد الفيفا ودائرته التحكيمية اقناعنا بها للخلاص من ملاحقة الإعلام لهما والذي تُسبّبه بعض المباريات المشكوك في قراراتها؟ ألا يجدر بكولينا وجهازه المهني أن يهتم كثيراً بتحسين أداء الحكام، ألم تثلم هذه التقنية الشخصية المعنوية لقاضي المباراة، فماذا بقي لرأيه ورؤيته هو ومساعده إذا كان هناك أربعة اشخاص يرتدون ملابس التحكيم يلازمون مقاعدهم في غرفة معزولة قبّالة شاشات صغيرة تستعين بـ33 كاميرا مع 8 أجهزة للعرض البطيء و4 لتدقيق الحالة بصورة أبطأ وكاميرتين لاصطياد التسلل؟
لم يخبرنا الفيفا عن مصير 36 حكماً و63 حاملاً للراية متواجدين في أرض الحدث، مقيّدين وخائفين ومرتبكين وقولوا ما تشاؤون بحق واجباتهم المنقوصة أمام طبيعة مهنتهم التي تعتمد على الفراسة والثقافة والنزاهة والشجاعة وهو يعلم أن الأخطاء نتاج اللعبة في شراستها واحتدام ظروفها وتباين حظوظ الفرق وتحضيرات اللاعبين وشطارة المدربين، فلماذا يُسلب حق الحكم في تكنولوجيا لم تعد الحالات التي طبقت لتدقيقها تستخدم بعدالة.
تحوّل (فار) في بعض المباريات الى لص يأكل حقوق الفرق الفقيرة أمام عيون الفيفا الذي تعامل بفوقية مع مطالبات اعتراضية للتحقيق في هذه اللقطة وتلك الحالة ولا تهمّهه بالدرجة الأولى سوى عملية تسويق البطولة وما تدرّه عليه من أموال طائلة من خلال الماكنات الإعلانية الضخمة التابعة لمؤسسات هذه الدولة وتلك ممّن تحظى فرقها بباع طويل في كأس العالم ولديها نفوذ في أروقة اللجنة العليا المنظمة للكأس الذهبية، ولا نطعن هنا بذمة أحد لكن من حقّنا أن نتساءل: هل أن حادثتي خيانة اللعبة بفضيحة (الارجنتين وبيرو عام 1978 وألمانيا والنمسا عام 1982 ) ضربت ناقوساً للبحث عن سيناريست بارع يتستّر في غرفته ليُحبِكْ المؤامرة في اللحظة ويُنهي القصة كما مكتوب في النصّ؟!
نعم لأية تقنية تنصف اللعبة قانونياً وفنياً، لكن أن تُحدَّدْ بشروط ولا تُترك مطلقة، وانصار "فـار" يدركون جيداً أن تكرار حالات التوقّف بانتظار إشارة من غرفة المراقبة وذهاب الحكم للتلفاز يفسد متعة المشاهدة ويقلل كثيراً من حماسة اللاعبين خاصة في الأوقات القاتلة التي يفترض أن يرد الخاسر هجومه لإنقاذ مصيره وسط ضياع الدقائق صبراً لا يحتمل وقد يصيب المشجع أو اللاعب أو المدرب بالسكتة القلبية حال استدعاء المحروس "فـار" حكم المباراة ليستمتع بمشاهدة لقطة "الحياة أو الموت" لأمل المنتخبين ويختار مُرغماً أو انتقاماً أو جُبناً، وبالنتيجة ستهزم التكنولوجيا الإرادة البشرية وتدمّر اسلحة وجودها في الحياة (العقل والعلم والحرية).