عبدالكريم يحيى الزيباري
لا أحدَ ينكر التراث التأويلي للبحوث والدراسات الاستشراقية لتراث العرب الإسلامي، باعتباره الأكثر صَرَامةً في المنهج العلمي، رغم ما قد يشوب بعض الدراسات من انحياز وأدلجة وأغراض سياسية وأهداف تبشيرية تحمل عداءً تاريخياً.
جمعَ الأستاذان حامد ناصر الظالمي من جامعة البصرة وباقر الكرباسي من جامعة الكوفة، ما بحوزتهما من أرشيف للدراسات الاستشراقية، تولت دار روافد البيروتية طبعها في كتاب أنيق سنة 2016، لترصد الدراسات الاستشراقية بمصدر جمعَ ما تفرق من هذه الدراسات في متون المجلات والدوريات القديمة.
كتب د. حامد ناصر الظالمي(يحق لبعض الباحثين تقديس لغتهم عندما يبحثون فيها ويجدون فيها من الجمال ما لا يجدونه في غيرها من اللغات، وإن الانتقاص منها شيء قد يصل إلى درجة التحريم عندهم, فعشق هؤلاء للغتهم, هو الذي أكّد لهم أنها مسألة متعلقة بالوجود فالإخلال بذلك هو مَسٌّ بوجودهم لذلك يقول بلاشير «يذكر الأنباري في مقدمته لكتاب الأضداد, إن الأضداد ذات الدلالات المختلفة أو المتعارضة تعتبر بالنسبة إلى بعض الناس دالة على النقص، أي الضعف أو الخطأ في اللغة العربية، والتي تُعد حينئذٍ غير قادرة على التعبير بشكلٍ واضحٍ محدد عمّا يُراد منها, فمَنْ هؤلاء البعض الذين يتهمون العربية على هذا النحو ؟ يصفهم الأنباري أهل بدعة وكذلك أهل الجور والضلالة والاستهزاء أي السخرية ... أولئك الذين كان من شأنهم أن يسخروا من العرب، وابتداءً من هذه العبارة، يمكن التساؤل عمّا إذا كانت بداية الأضداد قد جاءت نتيجة اهتمامات مختلطة وذلك فيما يَتعلَّق بموجة الشعوبية، وحول هذه النقطة يوجد لدينا نص آخر مهم لكنه أقل وضوحاً ذلك هو ما يلخص رأي ابن درستويه فهو يعارض تماماً نظرية الأضداد وينفي أي وجود لها في اللغة ... وبما أن قطرباً الذي يُعدّ من أهـم منشئي هـذه المباحـث كان معتـزلياً/ ص6).
في الدراسة رقم (6) كتبت الدكتورة فيبكا فالتر من جامعة مارتن لوثر الألمانية بعنوان (أسماء الأعلام العربية من القرن الجاهلي إلى العصر العباسي) مستهلة بمقولة الفيلسوف شليغل (الأسماء هي التمثال الأقدم للغة والآداب وتفكير الشعب) . وتعتمد فالتر الأسماء فقط بدون الكنى والألقاب رغم أهميتها في الثقافة العربية آنذاك، وتعتمد كتاب ابن دريد (الاشتقاق) و(الطبقات الكبرى) لابن سعد و(السيرة) لابن إسحاق و(جمهرة الأنساب) لابن الكلبي، ولغلبة أسماء الرجال تستنتج فحولة المجتمع. وتُقسِّم فالتر دراستها إلى أربعة مفاصل: الأول: شكل أسماء الأعلام: بِخِلاف العبرية القديمة، ندرة شكل الجملة الفعلية، مثل تأبَّطَ شرَّاً أو برَقَ نحره، وفي جنوب جزيرة العرب: معد يكرب وشرحبيل ولم توجد إلى العصر الجاهلي ثم انقرضت، وبعضها تطور فأخذ معناه الحَداثي مثل (المغَّيرة) صار (العسكري).
الثاني: معنى أسماء الأعلام: لأكثرية أسماء العرب الأعلام معانٍ معروفة خِلاف معظم اللغات الهندية الأوربية. الأعلام الدينية معظمها إضافات: عبدالعزَّى، زيد اللات، تيم الله، أوس مناة. أما الأسماء مثل عبدالمطلب، عبد أمية، عبد عمرو، فتدل على عبادة الأجداد. ودلت أسماء أخرى على آلهة: عبد شمس، عبدالملك، عبد ذي الشرى. وأعلام ترينا تقديس الكعبة: عبد الكعبة، عبد الدار، عبد البيت.
الثالث: بواعث الوالدين لاختيار اسمٍ لأطفالهم: (إذا اختار أبوان اسماً لطفلهم فلا يفكران في معناه إلا نادراً- دوفعهم- الموضة، رنَّة الاسم أو الاقتداء ببطل روائي أو سينمائي أو في أغنية شعبية أو تقليد عائلي. بينما للعرب ثلاث وجهات نظر بحسب ابن دريد: لحمايتهم من أعدائهم: غالب، ظالم، عارم، لكن (عادة تسمية الأطفال بأسماء بشعة أو سيئة لحمايتم من قِوى رديئة، اضمحَّل هذا النوع أيام العباسيين) . وأحياناً ظروف الولادة العسير: عسير. أو مطر، ثلج. أو يرى الوالد ثعلباً.
في الدراسة (8) كتبَ كارل شتولتس (اشتقاق الكلمة الإنكليزية Coffin) وتعني التابوت وأصلها عربي، ويتتبعها في اللغة اليونانية القديمة kopivos كُفنس، واللغة اللاتينية فصارت cophinvs أو cofinvs ومعنى الكلمتين اللاتينية واليونانية هي السَلَّة أو القُفّة.
في الدراسة (9) كتبَ كيفورك مينا جيان (النحتُ قديماً وحديثاً) وهو بحث منشور في مجلة اللسان العربي، العدد التاسع. وكشفَ أنَّ النحت كان معروفاً عند علماء اللغة العربية القُدامى باعتباره قِياساً أو اشتقاقاً أو جنساً من الاختصار (عشرة وعشرة تلك عشرون)، (القصلب: القوي الصلب)، البسملة والحمدلة والحوقلة، وقد بحثه ابن فارس في (فقه اللغة) و(المجمل) وبحثه أبو علي الظهير في (تنبيه البارعين على المنحوت من كلام العرب) وغيرهما كثير. والبعض شدَّدَ على تحديدها وحصرها، وأنَّ أحد أساليب تطور اللغات الهند أوربية هو النحت.
في الدراسة رقم (19) كتبَ رينيه مونبليزير مارسيليا بعنوان (في فلسفة اللغة الأعداد العربية ودلالاتها النفسية) واستنتجَ (أنَّ اللغة العربية تهدف إلى التعبير عن المجرد والحسيـ وفي الوقت نفسه عن العواطف العامة للمتكلم... ما الذي تعنيه هذه الغزارة وهذه الكثرة على الصعيد النفسي الإنساني، فوضى لغوية أم رغبة في التعقيد أم فيها منفعة حقيقية؟ إنها الرغبة العميقة في التعبير عن الحقيقة المجردة/ ص271- 272).