ضحى عبدالرؤوف المل
تحكم قصة مسلسل "طريق " العادات الاجتماعية والتقاليد اللبنانية والسورية والعربية بعد ذلك. وان تم اقتباس القصة من "شريدة" للاديب الكبير "نجيب محفوظ". إلا أنها نقلتنا الى لب الواقع اللبناني والعربي وتحديداً الى المرأة بطبقات اجتماعية مختلفة ، بل الى القيم الانسانية العالقة في متاهات كالقشور ما ان يزيلها الانسان حتى يرى جيداً ما كان يخفيه او يضع له القناع الذي يجمّل الشخصية او تلك التي لعبت دورها " نادين نجيم "خطيبة جابر الرجل الأمّي أو العصامي، وبقدرات "عابد فهد " وبكل ما أوتي من قوة درامية. ليمسك المشاهد من الاطلالة الأولى في مسلسل" طريق" الذي يعالج قضايا اجتماعية انسانية بالدرجة الاولى، وهذا يليق بشهر الانسانية أو شهر رمضان المبارك المحمل بالقيم الانسانية ، فالمسلسل أعادنا الى زمن "نجيب محفوظ " والعالم الروائي القادر على حبك الخيوط الدرامية أولا ً. لتكون بمثابة محاكاة مبطنة للمشاهد الذي يتابع أحداث المسلسل مع شخصيات مرنة تخطت بأدوراها نزعة البذخ في التمثيل، وسلخت عنها عنجهية الأدوار المصطنعة وبنضوج ممنهج التحديث أي محاكاة الزمن الحالي ، فما بين الشريدة وطريق فترة زمنية فاصلة نقلتنا من كلاسيكيات الزمن القديم الى حداثة العصر في دراما تم تدعيمها بسيناريو تخطى به كل من "سلام كسيري" و"فرح شيا" صلابة الواقع وديناميكية القصص الأخرى المتناقضة والمحاكية لقصة أميرة وجابر وبأسلوب فني تميز بشعبية لامست المشاهد بكافة مستوياته وبفنتازية الأزياء ( أزياء جابر) التي جمعت الغرابة البصرية مع غرابة الكف الأسود وسر الوصية الذي وضعنا أمام غموض الأم ووصيتها وتعلق جابر بها . فهل دراما مسلسل" طريق" هي كلعبة شد الحبل بين الأدب الروائي والفن الدرامي وقدرة السيناريو على الجمع بينهما ؟
تميزت موسيقى مسلسل "طريق " التصويرية المشدودة الأوتار برومانسية ذات حدود روحانية تمنح السمع الحنين الى مفردة الأصوات التمثيلية ذات الدرجة السمعية المتناسقة مع بعضها. ليتكون المشهد الموسيقي باستكمال لمشهد غني بمعاناة او غني ببهجة الحواس التي يمنحها اللحن، وان بأسلوب يميل الى اللحن المتنافر، وكأن اللعبة الموسيقية عند "أسامة الرحياني" هي لعبة الأغنية التي رافقت التتر بصوت الفنانة "هبة طوجي " وبكلمات اختزلت المسلسل بمشاعر موجعة تضعنا على أول الطريق الذي ينتهي به المسلسل أو قصة" الشريدة" التي كتبها نجيب محفوظ، وربما للعبة السيناريو تغيرات درامية كثيرة في نهاية قد تفاجئ المشاهد أو تجعله يعيد النظر في العلاقات الإنسانية أو علاقات الأزواج ببعضها البعض، وان اظهرت حاجة الفرد للآخر هي حاجة عاطفية انسانية بالدرجة الاولى او مادية انتهازية كخطيبة جابر في البداية ، بمنطق متواتر ومشحون بالطيبة والغدر والتذبذب بين الحب وعدم الزواج عند عاشق يمنلك محطة البنزين وكوافيرة بلغت تضحيات حبها خسارتها لفترة انجاب المرأة . وهذا ما استكملته موسيقى" اسامة الرحباني " التي لعبت على وتر المشاعر او الحواس الوجدانية وبتذبذب بين النغمة القوية والمتراخية او تلك التي تنفر منها الحواس بلحظات، ومن ثم يسترد" اسامة الرحباني" سواها . و اكثر من الواقع الذي خاضته اميرة بو مصلح مع عائلتها، والجوانب المتناقضة مع شخصية اختها وامها او ختام اللحام التي ابدعت في دورها هذا. لنشعر ان المرأة القوية ضعيفة امام احتياجات العائلة عندما تمسك هي زمام امورها. فهل الموضوع العائلي في مسلسل" طريق "بتنوعه شكل ارضية النجاح له عند المشاهد العربي؟
المحاماة "المتر"غازي وغسان أو بين أسعد رشدان وشخصية المحامي المنتهك حرمة الانسانية في القضايا والتعامل، وبقدرة تمثيلية ترجمها الفنان رشدان بمصداقية تواءمت مع شخصية أميرة القوية، والتي تجابه قضاياها مع المتر غازي وصداقته مع جابر المبنية على العقل الذي أشار له عندما نصحه بالعودة للعقل وترك مواجع القلب بعد أن غدرت به خطيبته السابقة، فالخيوط محبوكة بفنية عالية ومترابطة مع الحياة الواقعية، وهذا ما يميز مسلسل" طريق" وكأنه قطعة من الحياة أمام المشاهد تسير ببطء. إلا أن تفاصيلها تضعنا برشد ووعي عملي أمام مفترقات طرق على الانسان أن يسيرها ضمن شخصيته وتوجهاته ، وبحب عائلي يحمل الكثير من الأسرار في الحلقات القادمة التي أصبحت كنتيجة لمعادلة الحلقات الماضية، وإن ضمن قصة الشريدة المحكومة باسلوب "نجيب محفوظ " الاجتماعي والانساني ، وبوعي أدبي وفني رفعت رايته المخرجة "رشا هشام شربتجي" مع وجوه تمثيلية أحببناها واستطاعت الدخول الى قلوبنا بشكل أكبر في مسلسل "طريق" الذي عُرض في شهر رمضان المبارك. فهل نحتاج لدراما متلاحمة مع الأدب الروائي دائماً أم أن نجاحها سببه السيناريو وطاقم التمثيل ؟