الكتاب: (ظهور و سقوط حزب العمال الجديد)تأليف: آندرو راونسليترجمة: عبد الخالق علي الملاحظة الأولى التي يمكن تكوينها عن هذا الكتاب هي انه طويل جدا،حيث يتألف من حوالي 700 صفحة من النصوص المكتظة،ما يعني وفقا لحساباتي،
انه يضم قرابة 350 الف كلمة،أي انه يأتي ثانيا بعد رواية (ذهب مع الريح) لماركريت ميتشيل. عند الانتهاء من الكتاب يشعر المرء كما لو انه قد أخذ بنصيحة (كينيث كلارك) التي أسداها لأحد خصومه السياسيين قائلا " تناول حبتين من الاسبرين و خذ نفسا عميقا ثم استلق على الفراش في غرفة مظلمة ".و كما هي رواية (ذهب مع الريح)،فإن هذا الكتاب هو ملحمة حرب أهلية،في نهايتها يحترق المنزل و تؤول المحاصيل الى الخراب و تموت الشخصيات أو تتفرق في ارض الله الواسعة. الصراع هنا يقع بين توني بلير و غوردن براون و التابعين لهما. و بما ان التركيز هنا على هذين الاثنين،فإن رواية راونسلي لها موضوع و دافع يجعلان القارىء مضطرا لقراءتها. تبدأ الحكاية في مايس 2001،حيث توني بلير " مستلقيا على الاريكة في مكتبه الصغير " في الشقة رقم 10،بعد ان فاز توا في الانتخابات العامة. كان يبدو " منهكا جدا " و هو منشغل بسندويش اللحم المملح و الخس و الطماطم ". من مميزات اسلوب راونسلي هي اننا نتعرف على تفاصيل مثل محتويات السندويش و بانه ينشغل بها اكثر مما يتناولها. خلال خمسة أشهر،كانت الهجمات الأرهابية في نيويورك قد أثارت عضو البرلمان و حولته الى قائد حرب،و يصف راونسلي بتفصيل كبير تعقيدات المسيح – و الشهيد – التي غشيت بالتالي رجلا كان معروفا يوما ما بحالته الطبيعية.بعد ان واجهه أحد خبراء مكتب الخارجية في الشأن العراقي و حذره من عواقب الغزو الانجلو – اميركي،رد بلير منشرحا:" كان ذلك في الماضي يا مايك ; اما اليوم فإن المسألة تخص المستقبل ". بلا أدنى شك،كان بلير وحده مسؤولا عن مشاركة المملكة المتحدة في حرب العراق. عندما أخبره جورج دبليو بوش بأن الولايات المتحدة الاميركية يمكنها ان تذهب للحرب حتى بدون القطعات البريطانية،رد رئيس الحكومة:" أنا معك و سأكون معك ". كان الاول هو الذي يعطي التعليمات. لم يكن تشرشل يتحدث أبدا الى روزفلت بهذا الاسلوب،لكن بالنسبة الى بلير – كما هو الأمر بالنسبة الى لويس الرابع عشر - " الدولة هي انا ". وراء هذا التسلط،يقبع براون الخطير غريب الاطوار. كان الخلط الطائش لبلير بين الاعتداد بالنفس و التملق لواشنطن هو الذي أعطى براون فرصته أخيرا. لا يستطيع المرء ان يتابع كل مباراة الصراخ التي دامت تسعين دقيقة بين الرجلين،اضافة الى صفق الابواب و الامتعاض و الاوصاف الذميمة و الرد عليها بالمثل. كان يمكن لأي رئيس حكومة قوي ان يسحب السلطة من وزير عديم الولاء مثل هذا. لكن بحلول صيف 2006 كان بلير قد أهدر كل رأسماله السياسي في الرمال العربية و لم يعد لديه ما يساعده على الصمود امام طموح براون الذي لا يرحم. و مع كل ذلك كان يمكن ان يبقى لو انه لم ينضم الى بوش في رفض استنكار الغزو الاسرائيلي للبنان. قال أحد رؤساء الحكومة السابقين:" كانت لبنان هي السبب ". ثلاث دول فقط في العالم هي التي وقفت ضد وقف اطلاق النار ; اسرائيل و الولايات المتحدة و نحن. كان الشعب مشمئزا.لغاية هذه النقطة تبدو حكاية راونسلي متسمرة،لكن بعد ان يذهب بلير تبدأ بالحركة. ان أجزاء الكتاب التي حققت الشهرة – خاصة المتعلقة باسلوب براون المتعجرف في الادارة – لا تشغل الفكر مثل النزال الشهير بين بلير و براون. ليس هناك من المهتمين بالسياسة البريطانية الحديثة من يمكنه ان يتجاهل هذا الكتاب.مع هذا العدد الكبير من منافذ الاعلام و الصحفيين المتعطشين لكشف الخفايا و مع هذا العدد من المتطفلين في الحكومة،المتلهفين لتسريب الاخبار،فان التاريخ يبدو و كأنه يكتب في نفس وقته. كل مفاصل حكومة حزب العمال الجديد قد انكشفت للعامة. سأشعر بالذهول،بعد ثلاثين عاما،عندما سيتم الكشف عن السجلات الرسمية،و سيجد المؤرخون تفاصيل كثيرة لما جرى داخل الحكومة و لم نكن نعرفه.لقد أصبح راونسلي نقيبا لرواة الاخبار هؤلاء. فمع العمود السياسي الاسبوعي في الاوبزرفر و البرنامج الاذاعي السياسي في الـ بي بي سي و العلاقة المنتظمة مع شبكات التلفزيون ككاتب وثائقي سياسي يحمل شهادة من كامبردج في التاريخ و أحد المتعاطفين المعروفين مع اليسار الليبرالي،فأنه سوف يتربع داخل حلقة الوصل بين حزب العمال الجديد و وسائل الاعلام. انه يظهر فجأة،من خلال كتاب (نهاية الحزب)، كشخص يزهو بالاستشهاد بأعمدته و مقابلاته مثل روائيي ما بعد الحداثة،يحشر نفسه في روايته.ان الصحفيين،و ليس السياسيين،هم الذين يستحقون التقدير المناسب في عصر الاعلام الجديد هذا.هذا الكتاب يعتبر أفضل من سابقه. العبارات المبتذلة ما زالت موجودة لكنها أقل. العبارات المجازية لاتزال متوهجة لكنها تليق بمثل هذه الحكاية الاوبرالية. في
نهاية الحزب
نشر في: 20 إبريل, 2010: 04:53 م