TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > البرج العاجي: في التنهد، مُفتتحٌ وقصيدة

البرج العاجي: في التنهد، مُفتتحٌ وقصيدة

نشر في: 8 يوليو, 2018: 06:12 م

 فوزي كريم

في سنوات الكهولة، التي تتمتعُ بملمسِ ورقة الخربف ولونِها، تُلحّ على أحدنا الحاجةُ للحب، فهل يملك قدرةَ أن يتوهمّه؟ وهل يُعتبر هذا التوهمُ، إذا ما حصل، خداعاً للنفس؟ وهلْ يصحّ للشاعر هذا الضرب من الإيهام، ولا يصحُّ لسواه؟
كم تُلحّ على الشاعرِ الكهلِ هذه الأسئلة، وهو يقفُ في حديقته، تحت نُدفِ الثلج الهاطلةِ في صبيحةِ يومٍ شتائيٍّ كهذا. لندن بخيلةٌ مع نُدف الثلج، فشتاؤها معرّض لتيارات المحيط الدافئة نسبياً، مقارنة بالبلدان الشمالية. ولذلك فزِع إلى حديقةِ البيت، آمناً من البرد، بفعل دفء عاطفة داخلية رفعته، عن غير إرادة منه، شبرين، أو هكذا قدّر المسافةَ من خفّة جسده. خرج لأن نُدفَ الثلج وهي تَمسُّ رداءه، كما تمسّ روحَه، وحدها التي تليقُ بهذا الحب الذي اجتاحه، عن حاجةٍ، أو إيهام للنفس، أو حقيقةٍ حدثت فكتمها زمناً. لا يعرفُ على وجه اليقين. ولمَ عليه أن يعرف؟ قال لنفسه مُستنكراً. لمَ لا يكترثُ للعاطفة التي ألمّت به وحدها، دون التحقق من العلل؟ الشاعر داخل المتاهة لا يكاد يرى حدّاً فاصلاً بين "الحاجة" و"الوهم" و"الحقيقة". مع الحبّ وحده عليه أن يُحلّق دون تردد، شبرين عن الأرض، أو إلى الأفق كطائرة ورقية أفلتت من يد صبي.
حين دخل البيتَ ثانيةً رأى في المرآة الثلجَ على شعر الرأس، وعلى الكتفين مازال نُدفاً بيضاء، كنُدف الحبّ الذي اطمأنَّ لها داخل روحه. وعلى حذرٍ رفع أصابعَه إليها لمزيدٍ من طمأنينةِ الكهل، وإذْ مسّها ابتلّتْ أصابعُه. أحسّها وقد تحوّلت إلى قطراتِ ماءٍ باردةٍ، تنحدرُ إلى قشرةِ الرأس.
رائحةُ الشاي داخلَ البيت تتعالى، وندفُ الثلج خارجَه تهطلُ ما زالت، فلمَ يكترثْ؟ استراح إليهما وتنهّد.

قصيدة في التنهّد
هل يليقُ التنهّدُ بالرجلِ الكهل؟ هذا عزاءٌ
يحطُّ على راحتي، بطمأنينةٍ.
كنتُ في غفوةٍ، ثم أيقظني.
فيه من طائر الحبِّ أكثرُ من شبهٍ!

غير أني ألفتُ التنهّدَ،
سيّان، عند الأسى والمسرّةِ،
عند احتقانِ الزمانِ وضيقِ المكانْ.

في التنهّدِ ما من شَكاةْ،
تتعالى رماديةً كخيوط ِالدخانْ.
وكذا في الكهولةِ ما من رَحاةْ
تطحنُ العمرَ طحنَ النواةْ.

قد تلوحين، سيدتي، في شراعٍ عبرْ.
أو بقايا أثرْ
فوق رملٍ كثيبْ.
قد تمسّين سبّابتي ببرودةِ ضوءِ القمرْ،
أو جبيني بدفءِ المغيبْ.
قد تلوحين عاريةً في نسيجِ الستارةِ،
ذكرىً من الأمس غامضةً في إطارْ.
قد تلوحين وهماً على الجفنِ. ما منْ خيارْ
غيرَ هذا التنهّدِ للرجلِ الكهلِ، ما منْ خيارْ.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: جنرالات الطائفية

العمود الثامن: لماذا لا نثق بهم؟

الصراع على البحر الأحمر من بوابة اليمن "السعيد" 

العمود الثامن: رئيستهم ورئيسنا !!

كيف يمكنناالاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟

العمود الثامن: بين الخالد والشهرستاني

 علي حسين أعرف جيداً أن البعض من الأعزاء يجدون في حديثي عمّا يجري في بلدان العالم نوعاً من البطر لا يهم المواطن المشغول باجتماعات الكتل السياسية التي دائما ما تطابنا بـ " رص...
علي حسين

قناطر: الربيع الأمريكي المُذِل

طالب عبد العزيز هل نحن بانتظار ربيع أمريكي قادم؟ على الرغم من كل ما حدث، وقد يحدث في الشرق الأوسط، نعم، وكم هو مؤسف أن تتحرك دفة التغيير بيد القبطان الأمريكي الحقير، وكم قبيح...
طالب عبد العزيز

تضارب المصالح بين إسرائيل وتركيا في سوريا وعواقبه

د. فالح الحمـــراني كما بات معروفاً، أن وزير الدفاع الإسرائيلي وبنيامين نتنياهو*، خلال لقاء حول موضوع الوجود التركي في سوريا، طرحا مقترحاً لـ"تقسيم سوريا إلى مناطق مقاطعات (الكانتونات)". وذكرت صحيفة إسرائيل هايوم عن خطة...
د. فالح الحمراني

النظام السياسي في العراق بين الخوف من التغيير وسؤال الشرعية

أحمد حسن لفهم حالة القلق التي تخيم على النخبة السياسية في العراق مع كل تغيير داخلي أو إقليمي، لا بد من تحليل عميق يرتكز على أسس واضحة ومنطقية. فالشرعية السياسية، التي تعد الركيزة الأساسية...
أحمد حسن
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram