مؤمن الوزان - بلجيكا
تقدم لهذا الكتاب المتخصص في النقد الروائي المترجمة والروائية لطفية الدليمي، تقديمًا مميزًا بنظرة احترافية وقراءة شمولية لفن الرواية متناولةً تأريخها ومواضيعها وتأثيراتها ومشاكلها وقيمتها الأدبية والفنية، وقدرتها على التعامل مع التطورات المتسارعة التي يشهدها العالم وكيف يمكن أن تأخذ الرواية دوراً ريادياً في عصر السرعة والتكنولوجيا، استمتعت بتقديمها الثـري لهذا الكتاب وماقدمته عن دور الرواية في عالمنا المعاصر بقدر لا يقل عن استمتاعي بمحتوى الكتاب الذي ترجمته عن روبرت إيغلستون.
مقدمة المترجمة التفصيلية لا يمكن الاستغناء عنها حتى وإن لم يقرأ القارئ هذا الكتاب، فهي تبرز لنا أهمية التقديم في المزج بين الخبرات المكثفة والترجمة من أجل مدخل يساعد القارئ أيا كان في فهمه وتهيئته لقراءة الكتاب.
يعنون المؤلف الفصل الأول بـ "قول كل شي" وهو الفصل الذي يناقش فيه ويطرح إمكانيات الرواية ووظائفها وكيفية كونها قابلة للتجديد التطور الذاتي من خلال صيرورة متعاقبة ويتطرق إلى أنواعها وتأثير النوع الأدبي والفني على واقع الرواية التي يناقشها بصورة أكثر تفصيلاً في الفصل الثالث. تتناول الفصول الرابع والخامس والسادس الرواية المعاصرة وعلاقتها مع الماضي والحاضر والمستقبل ، كما تتضمن موضوعاً حول روايات ما بعد الحداثة ومميزاتها ووظائف وسمات الرواية المعاصرة ودورها في التعامل مع مجريات الأحداث التي شهدها العالم من خلال الرواية التاريخية بمواضيعها وأساليبها الحديثة وكشف التأثيرات التي يُسقطها الماضي على الحاضر من خلال ذاكرة الناس ، ذاكراً أمثلة عدّة من روايات عالمية. كما يتحدث عن علاقة الرواية المعاصر مع حاضرنا الراهن ، هذه الرواية التي تتسم بعدة سمات منها قدرتها الفائقة على تفكيك المعضلات أو زيادتها تعقيدا، وتبقى ستراتيجية التواضع في تناول كل المواضيع التي تؤثر في الوضع البشري هي الستراتيجية الأكثر اعتماداً في الرواية المعاصرة؛ لما في الروح المتواضعة للروائي المتجدد من قدرة على مواجهة معضلات العالم المعاصر. كما تتناول الرواية المعاصرة وقائع الحاضر ومواجهة النزاعات المسلحة (حروب أو إرهاب) وما تخلفه من صراعات نفسية أو أثنية في نفوس أبناء هذه المناطق المضطربة أو في مرحلة ما بعد الاحتلالات. ويتضمن الكتاب الرواية المعولمة، والتي يتحدث فيها الراوي باسم قارة بأكملها، و يستشهد المؤلف بالقول Act locally, Think globally، تصرف بمحلية وفكر بعالمية.
الرواية المعاصرة والمستقبل هو عنوان الفصل السادس وهي الرواية التي يمكن وصفها بأنها الرواية التي تتعامل مع التقنية الحديثة ومنها وسائل التواصل الاجتماعي وتأثيراتها الاجتماعية كالتواصل الأسري، أو تأثيراتها في ميدان العلوم أو كما راق لي أن أسميها الرواية التقنية: رواية التعامل مع التقنية وتأثيراتها على عجلة التقدم البشري بكافة مجالاته الإنسانية أو المادية. ما يمكن أن تقدمه الرواية المعاصرة وعلاقتها مع المستقبل عبر نظرة تشاؤمية ملؤها الخوف من مصير البشرية في حالة التقدم التقني المتسارع الذي لا تحده حدود، وفي الجهة الأخرى هناك النظرة التفاؤلية والتي تبدو أضعف حضورا في تطلعاتها نحوالمستقبل القادم.
يختم الكتاب بفصل الرواية المعاصرة والنقد الأدبي، النقد الذي يختلف باختلاف نُقاده وما يرونه المنهاج أو المثال الذي يسعون من خلاله لإظهار الإعجاب بالرواية أو النيل منها، ويقدم المؤلف رؤية لاذعة للعمل الأكاديمي وعملية قتله للأعمال الأدبية، ولا يعطي رؤية واضحة في الكتاب عن النقد الأدبي كما في المقطع التالي :
(( إذن ، بعد كل هذا ، ماهي الطريقة الفضلى لكتابة أي نقد أدبي ؟ ربما لاتوجد مثل هذه الطريقة . دعونا نقرأ مايكتبه ديفيد إيغرز بشأن النقد :
يأتي النقد في العادة من الجهة المعاكسة التي تنبع منها بهجة قراءة الكتاب : يحتاج المرء لأجل الإستمتاع بأي عمل فني إلى الزمن والصبر والقلب الكريم ، أما النقد فهو - على العكس - مدفوع في أغلبه برغبات أشخاص غير صبورين ، وهم ممسكون طول الوقت بفؤوسهم ويتحيّنون كل فرصة سانحة لتهشيم كل مايرونه ماثلاً أمامهم . إن أسوأ نوع من النقّاد هو جامعو الفراشات ( وسيأتي بيان هذه المقايسة لاحقاً ) ؛ فهم يطاردون شيئاً لأمر يبدو في ظاهره بحثاً عن الجمال ، ثم متى ماإقتربوا من ذلك الشيء فإنهم يمسكونه بقسوة أو يقتلونه ، وقد يحصل احياناً أن يغرزوا إبرة في وسط بطنه ثم يشبعونه قتلاً وتشريحاً ، وقد ينتهي آخر الأمر كتلة يابسة محفوظة بين دفّتي كتاب . إن هذه العملية بكليتها أراها أمراً لايبعث على السعادة ، وهو غير صحّي على الإطلاق . يمكن للمرء بدلاً من قتل الشيء الذي يحبه أو إصطياده ورميه في صندوق ( الفراشة في مقايستنا هذه ) أن يكتفي ببساطة بالإشارة إلى هذا الشيء الجميل قائلاً : " أهلاً بالجميع ، انظروا إلى ذلك الشيء الجميل ... " - يقول هذا وهو ممتلئ قناعة بأن كلّ فرد غيره سيرى ذلك الشيء الجميل على النحو الذي يراه هو به ، ومثلما لاأحد يرغب في صغره أن ينشأ ويكبر ليكون وكيلاً لمصلحة الضرائب الفدرالية IRS ، فكذلك لاأحد يرغب في صغره أن يكبر ليكون مُشرّحاً خبيثاّ للكتب ! . ))
ومن خلال إسقاط المواضيع التي تتناولها الرواية المعاصرة الأجنبية مقارنة بالرواية العربية المعاصرة، يبدو لي أن الفقر الروائي العربي ليس لغويا أو فنيا أكثر من كونه ضعف وخوف من مواجهة العالم وتناول القضايا التي تؤثر في البشر، خاصة وأن المنطقة تعيش منذ عقود في قلب صراع عرقي وديني وعسكري اجتماعي مقابل نقلة كبيرة بعد دخول التكنولوجيا الحديثة، يُمكن استخلاص عشرات المواضيع التي تمثل مادة دسمة للرواية فيما لو جرى التعامل معها ولأضافت الكثير من البريق لفن الرواية.
ما ذكرته هو مجرد ملاحظات بسيطة ؛ فهذا الكتاب غني جدا بمضمونه وما اقتبسته من عديد الصفحات التي تحتاج لإعادة قراءتها مرات ومرات من أجل تكوين رؤية واضحة للرواية بصورة عامة والرواية المعاصرة بصورة خاصة..