TOP

جريدة المدى > عام > تخوّف الكاتبة من ملامسة التابو أفقدها سمة التوثيق في أدبياتها

تخوّف الكاتبة من ملامسة التابو أفقدها سمة التوثيق في أدبياتها

نشر في: 16 يوليو, 2018: 11:33 ص

زينب المشاط

في تقريرٍ سابق تحدثنا عن التوثيق للسيّر والمُذكرات، وذكرت جميع الأراء إن الادب العراقي غير قادر على التوثيق أو كتابة أدب السير والمذكرات، لأنه يُعاني من مخافة الاقتراب من التابوهات، أو الثالوث المحرم "الجنس، الدين، السياسة" هذا الذي يمنع الكاتب أن يكون صريحاً فيما سيكتب سواء أكان أدباً ذكورياً أو نسويا، في تقرير اليوم نتحدث عن التوثيق في الأدب النسوي، كالقصة أو الرواية أو القصيدة، حيث تُتهم الاديبات العراقيات النساء بأنهن عجزن عن توثيق الأحداث السياسية او الدينية في ادبياتهن كعجزهن عن ملامسة واقع الجنس والجسد، فكُن بذلك فاقدات الهوية فيما يقدمنه من أدبيات....

هذا ما تتناقله المجالس والمهرجانات الادبية العربية في تونس والجزائر والمغرب العربي أيضاً عن الادب العراقي النسوي، حيث تحدثت لنا الاعلامية والكاتبة د. سهام الشجيري عن ذلك قائلة " حصلت على وثائق وتساؤلات من دول المغرب العربي بأن الأدب النسوي العراقي عاجز عن توثيق كل ما يمسّ الدين والسياسة والجنس، وبهذا جعل منجز الاديبة العراقية لا يصلح لان يكون وثائقياً "اي موثق للحدث والتاريخ" لأنه يخشى ملامسة التابوهات."

ومن هنا يُخلق تساؤل أكبر، هل توثيق الحدث والتأريخ يعتمد على ملامسة التابو فحسب؟ تذكر الشجيري "أنا أحاول الآن أن أقدم تقريراً موسعاً بحضور أدباء وكتّاب ونقاد واديبات عراقيات يسلطن الضوء على هذا الحدث وعلى هذه القضية لنتفهم ما إذا كان حجم التوثيق مرتبط بحجم الجرأة والحرية وهل الرجل العراقي يستطيع كتابة التابو كما المرأة، أم إنه تفوق عليها بذلك بسبب القيم والتقاليد الاجتماعية في العراق، وهل تفوقه هذا أوقع المرأة الاديبة في مأزق؟."

السلطة الذكورية منحت الرجل مساحة اجتماعية أكبر لكتابة الموضوعات التي تلامس الثالوث المحرم بينما هذا كان محظوراً على النساء بسبب واقع اجتماعي مفروض ومعروف لدى الجميع الا اننا نتساءل كم هنّ عدد الاديبات النساء اللاتي استطعن كسر هذه القاعدة والى أي مدى، وهل وقعن في فخ الابتذال ام حافظن على رُقيّ الموضوعة وحرفيتها....

لقد عبرت المرأة العربية أديبة ومثقفة عن مواقفها الرافضة للعنف والحرب والارهاب، موثقة لمعاناة المحرومين والمهمشين. تذكر الناقدة د. نادية هناوي "يعد الأدب واحداً من الميادين التي بها تجد المرأة طريقها للبوح تعبيراً عن رفضها لنزعة القمع التي تمارس ضدها، وإذا ما ألقينا نظرة فاحصة على الأدب الذي تكتبه المرأة شعراً أو سرداً فسنجد صوراً مختلفة لذلك البوح تصب أغلبها في باب إعادة إنتاج الثقافة، كأن تكشف عن مضمرات الفحولة أو تعرّي مستوراتها أو تفضح حقيقتها المغطاة بغطاء التعاطف الذي يحابي المرأة ظاهرياً ويضمر لها الوأد باطنياً. وما غاية الأبوية من وراء ذلك سوى اجتلاب المرأة إلى منطقة التحريم والمنع."

تجد هناوي أن هنالك ندرة في التطرق للتابوهات بالنسبة لأدب النساء ولكنه ليس بهذه الطريقة المبالِغة التي يوصف بها وتقول هناوي " كثيرة هي الروايات والقصص التي فيها المرأة فاعلة تسرد عن بنات جنسها القابعات خلف أبواب مغلقة وستائر مسدلة، صانعة حبكات عن منبوذات ومعتقلات ومنفيات، مرتكزة على ثقافة شهرزداية تبتغي المعرفة وتقتنص الحقيقة. وإذا كنا ـ كما يقول الفيلسوف نيتشه ـ لا نبحث عن ذواتنا؛ فكيف لنا إذن أن نكتشف أنفسنا بأنفسنا ذات يوم."

وهكذا هن الروائيات العراقيات مثل لطفية الدليمي وميسلون هادي ورغد السهيل وعالية ممدوح ووفاء عبد الرزاق وايناس البدران ونضال القاضي وروائيات سعوديات مثل رجاء الصانع ورجاء العالم وقماشة العليان والجزائريات مثل أحلام مستغانمي وآسيا جبار ومليكة مقدم وعشرات الروائيات العربيات الاخريات اللائي تجدهن د. نادية هناوي إنهن " كسرن احتكار الرجل للكتابة السردية، مقدمات شهادات نسوية عن الذات والواقع والآخر والهوية والوطن والطفولة والمراهقة والشباب والنضج، عاكسات مشاهداتهن ووجهات نظرهن."

أما القول بأن الرجل أكثر جرأة وأبعد مغامرة في التمرد على التابوات فتشير هناوي إلى أن "هذا  الأمر تقره برحابة صدر المنظومة الثقافية الأبوية والسبب إن التمرد حين يأتي ممن أعطته المنظومة الأولوية سيكون أقل خطراً من تمرد يأتي من كينونة أريد لها القبوع والصمت."

رغم ذلك  نجد نساء ثائرات استطعن أن يكسرن التابوهات كتابو السياسة وتابو الجنس متحدثات بجرأة أمازونية عن مغامراتهن العاطفية ومكابدتهن المعيشية ونضالاتهن التعبوية ومعبرات بثقة عن تطلعاتهن الكتابية المتمردة على قانون الأبوية وهنا تترك لنا هناوي أمثلة قائلة " لنا في نازك الملائكة خير مثال كما لنا في نوال السعداوي صورة ليبرالية لا يمكن محو أثرها على صعيد المجتمع المصري والعربي وإن كان ذلك بدرجة محدودة قد لا تقارن بتغييرات مجتمعية جذرية أحدثتها نسويات غربيات وثقن لا للحياة الادبية والشخصية حسب بل أحدثن تغييرات ديمغرافية ما زالت تؤتي أكلها إلى يومنا هذا، وأعني بذلك ثورة النسويات في فرنسا عام 1968 حين رفعن شعار ( أجسادنا ملك لنا) ، ولا يخفى أن الرهان على أداء النسوية العربية لخطوات مهمة باتجاه إعلاء صوت المرأة وتوكيد فاعليتها الحياتية والثقافية سيكون متوقفاً على قدراتهن الاقتحامية في مواجهة الصمت ومجابهة الكبت ليكن متفاعلات مع واقعهن بقوة غير منفصلات عن ذواتهن، منتهكات المحظورات، كاشفات عن المسكوتات بوحاً وإعلاناً."

من الصعب جدا الحديث عن علاقة حرة مابين المرأة والواقع الاجتماعي والثقافي، يذكر الناقد علي حسن الفواز إن "طبيعة النظام الأبوي، وعبر نزعته الذكورية أسبغت على تلك العلاقة نوعاً من التابعية، ورغم هذا التأطير نجد هناك مبادرات مهمة، أسهمت، وبشكل واضح في تأشير حضور مميز ل(المرأة المثقفة) في تاريخ العراق المعاصر، فقد كانت الريادة للكاتبة بولينا حسون صاحبة مجلة(ليلى) عام 1923 من خلال شعار المجلة( على طريق نهضة المرأة العراقية) وكذلك دورها في المعركة الاجتماعية بين(الحجاب والسفور)، كما كان للكاتبة سكينة إبراهيم حضورها المميز كمحررة رئيسة في مجلة(المرأة الحديثة) الصادر عام 1935." ويؤكد الفواز إن ذلك " يؤشر حضور المرأة ورصدها لبعض مظاهر الصراع الاجتماعي، رغم كل تعقيدات النظام المهيمن، ومحدودية تعليم  النساء ومشاركتهن في الحياة الاجتماعية والسياسية، ولا أظنّ أن هذه تابوهات بالمعنى الجندري، بقدر ما إنها تعبير عن طبيعة المهيمنات الاجتماعية والدينية ."

 موضوعات الجسد والدين والحرية تظل ذات طابع اشكالي، لأنها وكما يشير اليها الفواز " تعني الكتابة عن شفرات العلاقة مع الرجل، ومع المقدّس، ورغم أنّ التاريخ الأدبي للمرأة العراقية قد احتفظ بسرديات مهمة لموضوعات الجنس والمقدس، لاسيما في كتابات ديزي الامير ولطفية الدليمي وبثينة الناصري وعالية ممدوح وميسلون هادي وهدية حسين وغيرهن، إذ استغرقت كثير من هذه الكتابات بالتعاطي مع (المقموع والمسكوت عنه) وكأنه أكثر تمثيلاً لهوية المرأة، ولكينونتها، ولرؤيتها للحمولات الرمزية والقيمية والاجتماعية لعلاقتها مع الرجل، بوصفها علاقة انسانية واشباعية، وحتى موضوعات (الأيروس) يدخل في هذه السياق، وفي عديد الكتابات كتعبير عن مقاربة موضوعات المُحرّم اللبيدوي، وربما للتعبير عن سيميائيات الصراع السياسي، وعلاقة ذلك بالسلطة والذكورة بوصفها الايديولوجي والسياسي والعصابي ."

إنّ الحذر من التعاطي الواسع مع هكذا موضوعات اشكالية يعكس مدى الهيمنة الخارجية هيمنة السلطة الرمزية، لكنّ ذلك لا يعني غيابها، وهو مايمكن أنْ تحفر فيه القراءات النقدية للكشف عن أنساقه المُضمرة، وعن تبدياته النصوصية على مستوى الفكرة أو الخطاب أو الصورة...

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

إردوغان عن دعوة أوجلان إلى إلقاء السلاح: "فرصة تاريخية"

ترامب: زيلينسكي غير مستعد للسلام

حكمان عراقيان لقيادة نهائي كأس آسيا للشباب في الصين

إيران تعلن الأحد المقبل أول أيام شهر رمضان

وزير الكهرباء الأسبق: استيراد الغاز من إيران أفضل الخيارات

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

النوبة الفنيّة أو متلازمة ستاندال

صورة الحياة وتحديات الكتابة من منظور راينر ماريا ريلكه

علاقة الوعي بالمعنى والغاية في حياتنا

وجهة نظر: كيف يمكن للسرد أن يحدد الواقع؟

تخاطر من ماء وقصَب

مقالات ذات صلة

علاقة الوعي بالمعنى والغاية في حياتنا
عام

علاقة الوعي بالمعنى والغاية في حياتنا

ماكس تِغمارك* ترجمة وتقديم: لطفية الدليمي بين كلّ الكلمات التي أعرفُها ليس منْ كلمة واحدة لها القدرة على جعل الزبد يرغو على أفواه زملائي المستثارين بمشاعر متضاربة مثل الكلمة التي أنا على وشك التفوّه...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram