د.أحمد الظفيري
تعد رواية الجوع للروائي النرويجي كنوت هامسون من الروايات المميزة ولاسيما أنها أخذت حيزاً جيداً من الاهتمام بعد حصول مؤلفها على جائزة نوبل عام 1920م وهذه الرواية التي تعد من الروايات ذات السرد الذاتي يكون فيها القارئ متساوياً بالمعرفة مع الشخصية، أي أن القارئ يعرف ما تعرفه الشخصية التي من خلالها يجري مسار السرد، وهذه الرواية اعتمدت ببنائها على بطل واحد، وهذه إحدى الأشياء التي ورثتها هذه الرواية من الملحمة الكلاسيكية، فالملحمة تقوم على مفهوم الصراع والرحلة، لكن الصراع العبثي في الملحمة يكون بين الإنسان الأعزل مع قوى غيبية "ماورائية" بينما في رواية الجوع كان الصراع بين الإنسان مع ظروف حياته، وهنا لا بد من الإشارة إلى تدخل القوى الروحية الدينية في الرواية، فالكاتب لم يتخلص تماماً من مؤثرات الكنيسة الفكرية والروحية، ولذلك جعل هامسون بطل الرواية يتحول في لحظات من الإنكار الإلهي إلى الإيمان المطلق، لكي يبعد عنه فكرة الانتحار، وهذه المسألة أيضاً تحمل تأثير الملاحم اليونانية التي يعود أبطالها دوما للإيمان والرضوخ للقوى الغيبية.
حملت الرواية فلسفة عدمية مبكرة ، فبطل الرواية الذي لم يفصح الكاتب عن اسمه- بقي يدور في فلك اللقيمات الصغيرة التي يسد بها رمقه، ولم يفكر بتحسين وضعه أو البحث عن عمل غير الكتابة، ولذلك قد نرى أن القارئ لا يتعاطف دوماً مع البطل، لأنه يتصرف بكسل وعنجهية أحياناً، فرغم فقره نراه مغروراً يعتقد إنه كاتب عظيم ومميز، وقد تكون هذه الصفات التي أضفاها المؤلف نوعاً من النقد الذاتي للشخصية الأوربية آنذاك، كما أننا نلاحظ أن البطل حمل صفة النبل والكرم بتعامله، لاسيما مع الفقراء السائلين، فقد رهن ملابسه مقابل أموال قليلة ليتصدق بها على الفقير، وهذه الصفات تكون دوماً في المخيال التاريخي للسرد، ونتذكر قصص الصعاليك العرب الذين اشتهروا بكرمهم رغم فقرهم وعزل المجتمع لهم.
ما يميز شخصية البطل- حسب رأيي- أن المؤلف تركه حراً بتصرفاته وأضفى له واقعية كبيرة، فهو لم يكن مثالياً قط، بل على العكس إن قارئ الرواية يكتشف أن مشكلة الجوع لم تكن في الظروف المحيطة به، بل كانت في البطل ذاته، لأنه كان متذبذباً وقلقاً لم يبدأ شيئاً ويكمله، حتى أنه في الرواية كتب مسرحية ثم مزقها في الفصل الأخير، بل حتى في علاقته مع الحب، فقد ترك نادلة المطعم التي أعجب بها وأحبها، وكان بالمقابل يلقي اللوم على الظروف والمجتمع وليس على نفسه.
إن قارئ الرواية يشعر دوماً بإحساس الحرمان المتواصل الذي يخيم على الرواية، حتى مع توفر الطعام فلا يمكنه الامتلاء والشبع " بدأ الطعام يقوم بمفعوله، ولكني عانيت منه كثيراً ولم أستطع تحمله أكثر من ذلك، اضطررت لأن أفرغ فمي قليلاً في كل ركن مظلم أصل إليه، وأخذت أحاول بكل قوة أن أسيطر على هذا الغثيان الذي يهددني بتفريغ ما في جوفي من جديد" نجد أن البطل اعتاد فكرة الجوع وأصبحت الحالة الطبيعية له.
شخصية البطل ضُمِّنت كثيرا من معاناة شخصية المؤلف هامسون فقد عنى شظف العيش وعمل صبياً لدى بائع أحذية ثم بائعاً متجولاً في بلدان مختلفة، ولذلك نرى أن المؤلف وظّف فكرة التيه في التراث اليهودي لتكون نهاية مفتوحة للرواية، فالفقراء لا يصلون لأي مكان بل يبقون منتقلين من مكان لآخر مع جوعهم وحرمانهم.
جميع التعليقات 1
مولود الجزائر
من باب التنويه، المرأة التي غرم بها بطل القصة لم تكن نادلة مطعم، كما أنه لم يتركها بل إنقطع عنها تحسسا منه من باب الإشفاق عليها من سوء حاله