TOP

جريدة المدى > عام > صدر عن "المدى": في علم اجتماع المعرفة.. تحليل سوسيو لوجي لنظرية ابن خلدون

صدر عن "المدى": في علم اجتماع المعرفة.. تحليل سوسيو لوجي لنظرية ابن خلدون

نشر في: 18 يوليو, 2018: 07:52 م

متابعة: المدى

صدر عن دار المدى كتاب (في علم اجتماع المعرفة .. تحليل سوسيولوجي لنظرية ابن خلدون) وهي الأطروحة التي قدمها عالم الاجتماع علي الوردي الى جامعة تكساس كجزء من متطلبات الحصول على شهادة الدكتوراه في حزيران 1950. وقامت بترجمتها د. لاهاي عبد الحسين.
والعالم الوردي قام بنشر أعمال نوعية صارت علامة فارقة له ولعلمه وإحاطته بالعراق والعراقيين. فمن لا يتذكر كتب «خوارق اللاشعور» (1952)؛ «وعاظ السلاطين» (1954)؛ «مهزلة العقل البشري» (1956)؛ «الأحلام بين العلم والعقيدة» (1959)؛ «منطق ابن خلدون» (1962)؛ «دراسة في طبيعة المجتمع العراقي» (1965) وخلاصة جهده العلمي في الأجزاء الستة من كتاب «لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث» (1969 – 1977). بفضل هذه الغزارة النوعية في الإنتاج الفكري بقي الوردي مثار الاهتمام والجدال والتأمل ليس فقط في صفوف طلبته وزملائه ومريديه، وإنّما في صفوف عموم القراء وبخاصة في العراق.

تُظهِر الأطروحة كذلك كيف بدأ وتنامى الميل الثنائي في التفسير والتحليل لدى الوردي كما في «الحق» و«الجبروت»، أو «الدين» و«السياسة»، «المثالي» و«الواقعي»، «الديني» و«الدنيوي»، «الإسلام» و«البداوة»، «عرب شمال الجزيرة» و«عرب جنوب الجزيرة»، «الأمويون» و«العباسيون»، «علي» و«عمر»، إلخ. كما تسلط الأطروحة الضوء على مرجعياته النظرية التي ضمّت نخبة ممتازة من علماء الاجتماع والتاريخ الغربيين وعدداً من المفكرين والكتّاب العرب. على صعيد المفكرين الغربيين برزت أسماء :آرنولد توينبي، كارل ماركس، فردريك هيغل، كارل مانهايم، جون ديوي، جورج هربرت ميد، جارلس كولي، كيمبل يونغ، هاوارد بيكر، روبرت بارك وجورج سيمل، إلى جانب المنظرين الكلاسيكيين من أمثال، ماكس فيبر، ونيتشه وإيميل دوركهايم. أما على صعيد المفكرين والكتّاب العرب فبرزت أسماء: طه حسين، أحمد أمين وساطع الحصري إلى جانب عدد من الفلاسفة والمفكرين الكلاسيكيين المسلمين من أمثال أصحاب الفرق والحركات الدينية كما في المتصوفة والمعتزلة والباطنية وأبي حامد الغزالي، وابن باجة، وابن طفيل وابن رشد.
ليس هدف هذه الأطروحة دراسة ابن خلدون أو نظريته بالتفاصيل الدقيقة. في الحقيقة، قام طلبة محدثون بإنجاز تلك المهمة بنجاح. بدلاً من ذلك، إنَّ هدف هذا العمل، شيء مختلف. الهدف هنا أنْ نرى ابن خلدون بضوء مختلف، أو باستعمال مفردة كارل مانهايم، أنْ نراه من خلال وجهة نظر تختلف بدرجةٍ كبيرة عن وجهة النظر المألوفة. عاش ابن خلدون في ثقافة مختلفة تماماً عن ثقافتنا الحاضرة، وكان معتاداً على النظر إلى العالم ضمن إطار مرجعي غير مألوف بصورة تامة حتى بضمن مقاييس زمانه. المهمة الأولى التي تطرح أمامنا إذن، من أجل أنْ نفهم ابن خلدون، هي إعادة بناء وجهة نظره أو استعمال إطاره المرجعي، ومحاولة النظر إلى الظواهر الاجتماعية من خلالها.
في هذا العمل، الحيزُ المكرسُ لمناقشة نظرية ابن خلدون بحدّ ذاته صغير بالمقارنة لذلك المكرس لإعادة بناء وجهة النظر وفئات الفكر التي نظر من خلالها هو وزملاؤه من الكتّاب إلى عالمهم. يأخذ هذا العمل، كما يُظهِر عنوانه الفرعي، دراسة في علم اجتماع المعرفة، ابنَ خلدون نقطةً مرجعيةً في قضية. لقد دُرِسَ ابن خلدون بصورة رئيسة لإظهار كيف أنّ نظريته والنظريات التي أُنتِجَتْ في ثقافته يمكن أنْ تنسجم في مخطط عام لعلم اجتماع المعرفة كما تمّ تطويره من قبل علماء الاجتماع المحدثين.
علم اجتماع المعرفة، لتذكير القارئ، هو فرعٌ جديد جدّاً في مجال علم الاجتماع. طُوِّرَ وأصبح على ما هو عليه في حوالي أربعينيات القرن العشرين. يُعَدُّ العقل الإنساني، طبقاً لمسلماته الجوهرية، ليس مرآة معصومة عن الخطأ، وإنّما الأداة التي وضعت بيد الإنسان لمساعدته في النضال من أجل الوجود. يرى الإنسان الأشياء ليس كما هي عليه في الحقيقة، إنّما كما تظهر له بأحاديتها فيما يقف في ظرفٍ ثقافي واجتماعي ونفسي معين.
تتأثر وجهة نظر الإنسان إلى العالم، كما أشار بيرجز، بثلاثة عوامل: 1. المشهد الثقافي؛ 2. المكانة الاجتماعية؛ 3. الميول الشخصية. يتأثر الإنسان بتفكيره أولاً بنسق الأفكار والقيم الحاضرة سلفاً والتي تُزرع في عقل الإنسان منذ نعومة أظفاره من قبل البيئة الاجتماعية. تُخفى هذه الأفكار والقيم الحاضرة سلفاً بصورة غير واعية في عمق عقل الإنسان. فهي نادراً ما تظهر على السطح. وقد تسبب المتاعب، كما يشير لويس ورث، إذا ما أصبحت ظاهرة ومعروفة بصورة واعية. من جانبنا، نستطيع التعرف عليها من خلال الاتصال المطوّل، الحميم والنفّاذ، أو نستطيع الاستدلال عليها من خلال تصرفات رمزية لا يستطيع حتى الأشخاص المعنيون شرحها لنا لأنّها محجوبة بالأسرار.
يقوم الإنسان بفرض قيمه على الموضوع الذي يراه مناسباً، وغالباً ما يعدّها أساس الطبيعة على وجه العموم. عندما يرى الإنسان، في ثقافات أخرى، قيماً معينة تختلف عن تلك التي اعتاد عليها، فإنّه يصاب بالذهول، ويشعر أحياناً بالسخط. إنّه يميل إلى عدِّ هذه القيم المختلفة كما لو أنّها فاسدة، غير طبيعية وحتى إجرامية.
زدْ على ذلك، إنّ عقل الإنسان يتأثر عادةً بانتمائه الطبقي ومكانته الاجتماعية. تتسم الطبقات المتعارضة عادةً بأنساق قيمية متعارضة. ما هو حسن لجماعة قد لا يكون كذلك بالنسبة لجماعة أخرى. بينما تنظر الطبقات العليا، على سبيل المثال، إلى الثورة أو أيّ شكل من أشكال الحركات الاجتماعية كما لو أنّها جريمة يعاقب عليها بالموت على أساس أنّ ذلك يعرض السلم الأهلي للخطر أو في الأقل، يعكر صفو النظام الاجتماعي المهم بالنسبة لهم إلى درجة القداسة بغية المحافظة على واقع الحال، قد ترى الطبقات الدنيا، من جانبٍ آخر في الثورة ظاهرة مباركة أو فعلاً إلهيّاً لإحياء نظام العدالة الاجتماعية «القديم».
يتأثر عقل الإنسان أخيراً، بمواقفه الشخصية وتكوينه الوجداني. ولا أحد يبدو قادراً على التخلص بصورة تامة من أثر عواطفه على قوة الحكم لديه. حتى أرسطو، الذي كانت لديه ثقةٌ عاليةٌ جدّاً بمنطقه المطلق، اعترف بتأثير العواطف على فكر الإنسان.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ترامب: زيلينسكي غير مستعد للسلام

حكمان عراقيان لقيادة نهائي كأس آسيا للشباب في الصين

إيران تعلن الأحد المقبل أول أيام شهر رمضان

وزير الكهرباء الأسبق: استيراد الغاز من إيران أفضل الخيارات

اليابان تسجل انخفاضا قياسيا في عدد السكان

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

الكشف عن الأسباب والمصائر الغريبة للكاتبات

موسيقى الاحد: عميدة الموسيقيين

النقد الأدبي من النص إلى الشاشة

النوبة الفنيّة أو متلازمة ستاندال

صورة الحياة وتحديات الكتابة من منظور راينر ماريا ريلكه

مقالات ذات صلة

علاقة الوعي بالمعنى والغاية في حياتنا
عام

علاقة الوعي بالمعنى والغاية في حياتنا

ماكس تِغمارك* ترجمة وتقديم: لطفية الدليمي بين كلّ الكلمات التي أعرفُها ليس منْ كلمة واحدة لها القدرة على جعل الزبد يرغو على أفواه زملائي المستثارين بمشاعر متضاربة مثل الكلمة التي أنا على وشك التفوّه...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram