TOP

جريدة المدى > عام > المسرح وأفق التغيير

المسرح وأفق التغيير

نشر في: 21 يوليو, 2018: 06:32 م

د. جبار خماط حسن

يتطور التاريخ بالإرادة البشرية التي تعطي للأسباب المادية والفكرية جدوى التغيير ، فما يمكن تسميته تاريخاً ليس سجلاً ميتاً للوقائع القديمة ، بل هو حراك جدلي في وعي الإنسان بين ماكان وماهو كائن وما ينبغي أن يكون ، هذا الجدل لا ينتهي لأنه مرتبط بوعي الإنسان وقدراته العقلية التي لا تميل إلى الثبات والنمطي ، بل يسعى جاهداً إلى التطوير وتعديل السلوك الى ما هو أفضل ، لذا قراءة الإنسان للوجود في لحظة الحس والتفكير هو تاريخ مجرد ، وقدراته الوجود والآخر في لحظة التعبير هو تاريخ مدون ، قد يكون شفاهياً أو مكتوباً أو محظ صورة أو شريط فلمي .. إن الفن أكثر درجات التاريخ إبداعاً لأنه لا يعود ويتجمد في الوقائع ، بل هو تدوير للوقائع على نحو جديد يسمح لنا بتغيير علاقتنا النمطية بالوجود والإنسان .
إن فتيل الدراما حين تكون الضرورة لها متواجدة ، واليقين فيها متوفر ، والسعى نحوها متحقق ، فلا نكتب لتجاوز الممل أو اليأس فقط ، بل نكتب للتنوير والتغيير ، فلا خير يرتجى من دراما هي ثرثرة فارغة من المعنى ولا خير في عرض مسرحي لا يحرك ساكناً فكرياً أو اجتماعياً أو نفسياً لدى الجمهور ! فالأمم التي نشأت فيها الدراما والمسرح لا تؤمن بالكم من المؤلفين والمخرجين ولا تدرس الفنون لكل من هب ودب ، بل تؤمن أن الفنون عامة والمسرح بخاصة ، مران حضاري يتطور بالممارسة الجمالية والتدريب النوعي على بناء للذوق الاجتماعي المستقر ، تجد لديهم الفنانين المبدعين على عدد الأصابع والمهرجانات أيضاً ، لكنهم يضعون كل الإمكانات المادية والمعنوية لتنمية قدرات ونتاجات أولئك المبدعين ، حتى يتحولوا الى علامات ثقافية عالمية ممكن إستثمارها في سوق العمل الثقافي العالمي .
أما نحن في بلداننا العربية ، ما أكثر المهرجانات وما أكثر العاملين في الحقل المسرحي ، تراهم في كل واد يهيمون ، يعملون معزولين عن الحراك الاجتماعي وكيفية تطويره . ولذلك ضعفت رسائل التنوير وقلت مبادرات التغيير ، وتقهقرت محاولات الإبداع والتعبير ، وكثرت قرصنة التجارب العالمية المتوفرة على مواقع الانترنت !
طبعاً لا يمكن التعميم ، لأن في وطننا العربي توجد اسماء وتجارب مهمة لو استثمرت في خارطة طريق إبداعية ، وتحييد وعزل الطارى من أشباه المسرحيين ، قطعا سنصل إلى بر العمل الثقافي المستقر والنوعي الذي فيه بعد التغيير الحضاري واضح المعالم وآثاره النفسية والاجتماعية والفكرية واضحة على سلوك المجتمعات الإيجابي .
إن المسرح الذي يتنفس شهيق الحرية المشروطة باحترام الإنسان ، يعيش بيئة إبداعية مناسبة لأفكاره وتكون تجربته مشروعاً للتغيير الإيجابي ، وهذا ما فعله , أولئك القلائل الذين رسموا طريق المجد بين الناس أولاً ثم أعطوا نافذة آمل لمستقبل أكثر جدوى للتواصل والتفاعل ، فالخلود يكون نسبيا إذا اقترن بالعادي من السلوك ، أما إذا كان القرين إبداعاً فريداً في عقد الزمان ، فإنه باق ما بقي ليل ونهار الطاقة المبدعة .. من أنتَ ؟ كن أنتَ دوماً ولا تكن غيرك ، من عاش وعنقه مغلولة بالآخر ، لم يكن مع الحرية رفيق ، ولم يكن للتميز دليل، ولم يكن للابداع قرين .. حين تكون مسرحياً ، ينبغي أن تكون بوصلتك تتحرك نحو الآخرين بمسافة واحدة من الدهشة ، عدا هذا فإنك من الساعين الى المألوف والعادي . إذ .كلما زادت طاقة التفكير العملي والنفعي كلما نقص منسوب التفكير بالوجدان الذي هو خطاب يصل إلى الذات من دون برهان ، فالفن معمار جمالي يصعد في درجاته الى رسالة مضمونها إننا في خلية اجتماعية واحدة ، نواتها الإيمان بالآخر ، ومحيطها تدعيم السلام وحدودها الاعتقاد بأن الجمال الفني شراكة مستدامة ما بين الصانع المبدع / الفنان والجمهور الذي يفكر دوماً بالجودة الجمالية التي تصل به نحو مستقبل ٱت ، خال من التشويه والعنف الصوتي والبصري .
لا يمكن لنا أن نرسم خارطة طريق فاعلة لمسرحنا ، ما دامت المؤسسات الحكومية وغير الحكومية تعمل بستراتيجية تقليدية للتطوير والتنمية ، فما أحوجنا الى مشروع شركة حوارية ما بين المؤسسات العربية ذات العلاقة بالمسرح ، لوضع علامات تدل على النجاح في التأثير والتحول في الذائقة المجتمعية من السلبي الى الايجابي .
ولا يمكن للتغيير الإيجابي والتطوير للفن ، أن يعيش في كرامة التواجد والتواصل والتأثير ، ولائحة الاتهام الباطلة تلوح في وجهه ؟! ، وهراوة الأفكار المفبولة من غيرها ، تكسر ظهره وتجعله عاجزاً عن الحركة ، هذا جائز وذاك ممنوع وتلك من الأحوط تركها ، وما بين هذا وذاك يترنح الفن النبيل بانتظار من ينقذه . انقذوا عمنا المسرح من الطارئين البواقين الزاحفين الرابتين على أكتاف الفشل الفني ! كونوا أحراراً في فنكم ، اعملوا بصمت فسيرى الجمهور منجزكم ويشير لكم بالاحترام والاعتزاز .. الفن اعتقاد وضرورة وحاجة وجودية يصنعها الأفذاذ من البشر ولهذا هم معدودون ، فلا تجعلوا أمامهم أسوار الممنوع الذي ينتج فنوناً وعظية ، جبينها مختوم بالنفاق الفني ، ويجعل من الغث سميناً ، ومن العادي مميزاً ، ومن المألوف إبداعاً .وتلك هي المصائب !!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ترامب: زيلينسكي غير مستعد للسلام

حكمان عراقيان لقيادة نهائي كأس آسيا للشباب في الصين

إيران تعلن الأحد المقبل أول أيام شهر رمضان

وزير الكهرباء الأسبق: استيراد الغاز من إيران أفضل الخيارات

اليابان تسجل انخفاضا قياسيا في عدد السكان

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

الكشف عن الأسباب والمصائر الغريبة للكاتبات

موسيقى الاحد: عميدة الموسيقيين

النقد الأدبي من النص إلى الشاشة

النوبة الفنيّة أو متلازمة ستاندال

صورة الحياة وتحديات الكتابة من منظور راينر ماريا ريلكه

مقالات ذات صلة

علاقة الوعي بالمعنى والغاية في حياتنا
عام

علاقة الوعي بالمعنى والغاية في حياتنا

ماكس تِغمارك* ترجمة وتقديم: لطفية الدليمي بين كلّ الكلمات التي أعرفُها ليس منْ كلمة واحدة لها القدرة على جعل الزبد يرغو على أفواه زملائي المستثارين بمشاعر متضاربة مثل الكلمة التي أنا على وشك التفوّه...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram