ترجمة/ حامد أحمد
بعد فترة قصيرة من العثور على الأرشيف اليهودي العراقي في قبو بناية جهاز المخابرات العراقية من قبل القوات الاميركية في أيار عام 2003 ، تم توجيه دعوة لكل من ، دورس هامبورغ ، التي كانت في حينها مديرة برامج حفظ الارشيف الوطني ، وكذلك ماري لاين ، التي كانت في حينها مسؤولة الحفاظ على الارشيف الوطني ، للمجيء إلى العراق لتقييم وضعية الأرشيف والحالة التي كان عليها.
كانت مواد الارشيف محفوظة في 27 خزانة حديدية تم رصفها في شاحنة تبريد . وقالت ، هامبورغ " عندما فتحنا أبواب الشاحنة كانت رائحة العفونة طاغية بشكل كبير . وقد أدركنا سريعاً انه على الرغم من الوضع المزري الذي بدت عليه مواد الارشيف فان هناك امكانية في ان يتم انقاذها واستردادها لوضعها الأصلي."
في 20 آب عام 2003 ، أي بعد ثلاثة أشهر فقط من العثور على الأرشيف ، وقعت الولايات المتحدة اتفاقية مع سلطة الائتلاف الموقتة للعراق سمحت بموجبها ان تنقل مواد الارشيف لأميركا حيث ستشرف دائرة الارشيف الوطني هناك على عملية ترميمها واسترجاعها . وبعد أن تم الانتهاء من عملية الترميم والاصلاح كان من المفترض أن يعود الارشيف للعراق في حزيران عام 2014.كان الأرشيف قد نقل في حينه الى مدينة ، فورت وورث ، في ولاية تكساس حيث أجريت على كل المواد فيه عملية التجفيف بحالة التجميد وهي عملية تستغرق أسابيع . وبعد ذلك تم ارسال المواد الى دار الارشيف الوطني في جامعة ، كوليدج بارك ، في ولاية ميري لاند . في العام 2005 تم تكليف مركز التاريخ اليهودي للعمل مع دائرة الارشيف الوطني لاجراء كشف ابتدائي عن مواد الأرشيف . وقالت ، راشيل ميلر ، مديرة مركز التاريخ اليهودي ، بان المركز عمد على مواصلة التعاون مع دائرة الارشيف الوطني والمشاركة بكل عمليات ترميم واسترجاع مواد الارشيف اليهودي .
قالت ، هامبورغ ، مديرة برامج حفظ الارشيف الوطني " تم أخذ المواد ونزعت آثار العفونة منها وبعد ذلك تم إجراء عمليات الصيانة والترميم على محتويات الارشيف من أوراق وصفحات بحيث كان بالامكان تصويرها لنتمكن من عرض محتوياتها على الانترنت ."
اتفاقية العراق مع الولايات المتحدة سمحت بتشكيل مشروع يتم من خلاله خلق نسخة رقمية لجميع مواد الأرشيف اليهودي العراقي ليكون متاحاً للجميع بان يطلعوا عليه ، وهو مشروع قالت عنه مديرة مركز التاريخ اليهودي ، ميلر ، بانه انتهى العمل منه عام 2010 .
في تشرين الثاني عام 2013 ، تم ولأول مرة عرض بعض أكثر محتويات الارشيف اثارة وأهمية وذلك في دائرة الارشيف الوطني في الولايات المتحدة تخللتها قطعة من نسخة توراة يعود تاريخها لنهايات القرن التاسع عشر أو بداية القرن العشرين ونسخة من كتاب ، الحجادة ، العبري يعود للعام 1902 .
بعد مرور شهر ، وضمن مراسيم دفن جنائزية أجريت في مقبرة ، مونتفيور ، اليهودية في نيويورك تم دفن 49 قطعة ورقية صغيرة من مخطوطات دينية تخص التوراة والسفر القديم ، عى اعتبارها قطع من نصوص مقدسة . هذه القطع الورقية الصغيرة كانت في حالة تلف وضرر كبير بسبب الماء الذي طالها بحيث لم تتمكن جهود الترميم من إصلاحها . لقمان فيلي ، السفير العراقي لدى الولايات المتحدة في حينها ، حضر مراسيم دفن هذه القطع من الأرشيف ، وإنه قد تعاون مع مديرة حفظ الارشيف ،هامبورغ ، ضمن وفد من وزارة الثقافة العراقية لمتابعة ومراقبة عملية دفن القطع الورقية . وكان حشد من الحضور قد تجمعوا عند طاولة وضعت عليها هذه القطع الورقية قبل دفنها وقسم منهم ذرف الدموع عليها .
في أيار عام 2014 ، أصدر فيلي بيانا أعلن فيه تمديد فترة بقاء الارشيف اليهودي في الولايات المتحدة ، وقد تم تحديد شهر أيلول عام 2018 كموعد نهائي جديد لارجاع الارشيف اليهودي للعراق . ولكن ، من جانب اخر ، بدأت جهود تتراكم ضد خطط إرجاع الأرشيف للعراق .
في العام 2014 مرر مجلس الشيوخ قراراً بالاجماع يطلب فيه من إدارة الرئيس اوباما الاتفاق مع العراق عدم ارجاع الارشيف لموطنه الرئيسي في بغداد ، ولكن مسؤولين عراقيين كانوا رافضين لهذا القرار . وكان مدير المكتبة الوطنية والأرشيف في بغداد ، سعد اسكندر ، قد ذكر في حينها بتصريح لصحيفة لوس انجلوس تايمز عام 2010 بان الأرشيف يجب أن يعود للعراق . وقال اسكندر ما نصه : " اليهود هم من أقدم الجاليات في العراق . إنهم جزء مهم من تاريخ تأسيس الدولة العراقية ."
وفي ايلول عام 2017 بدت ان المعركة قاربت على النهاية ، حيث أكد متحدث باسم الخارجية الاميركية في تصريح له أن الولايات المتحدة قررت احترام شروط الاتفاقية مع العراق بارجاع الأرشيف في العام 2018.
ولكن كثيراً من شخصيات الجالية اليهودية رفضت التخلي عن مواصلة المعركة للاحتفاظ بالارشيف . ففي شهر تشرين الأول عام 2017 كتب زعيم الاقلية في مجلس الشيوخ ، جارلس ستشومر ، مذكرة لوزير الخارجية ، ريكس تيلرسون ، في حينها يحث فيه الحكومة الاميركية على اتخاذ قرار مختلف . وكتب ستشومر في مذكرته قائلا : " منذ عهد جلاء اليهود من العراق ، لم يعد هناك من الناحية الافتراضية وجود لجالية يهودية في هذا البلد ، وإن هذا الكنز من الأرشيف اليهودي يعود لهم ويجب ان يبقى متاح بين ايديهم ."
ويعكس ، ستشومر ، بذلك مشاعر وجهود يهود عراقيين من أمثال ، بخاش بصري ، و أليس عبودي ، تبنوا هذه الفكرة منذ سنين .
تقول ، عبودي ، وهي يهودية عراقية في الثانية والثمانين من عمرها ، إنه عندما تصبح الحياة صعبة فانها تنظر الى ماضيها وجذورها . وقالت إنها كتبت قصيدة عن شجرة تموت ولكن جذورها العميقة جداً وجدت هناك ماء واحتيت من جديد ، مشيرة الى أن الارشيف اليهودي هو بمثابة جذور حياتنا في الأرض ويجب أن لا نتخلى عنه .
وأضافت ، عبودي بقولها " عندما كنت في المقبرة اثناء مراسيم دفن قطع من أوراق التوراة ووقفت أمام المدفن وشعرت وكأنني أصلي أمام ضريح أسلافي وأجدادي لأنهم جميعا دفنوا في العراق . أشعر بذلك يجري بدمي . أنا الآن لايمكنني زيارة قبورهم في العراق ولكنني استطيع زيارة ماكانوا يوما يلمسوه بايديهم من هذه التوراة ، وأصلي لهم ."
عن: فورورد Forward