طالب عبد العزيز
أتحدث مع كثيرين بشأن العلاقة بين السلطة الدينية في العراق والأداء السياسي العام، وما آلت اليه أوضاع البلاد، ولأن البعض منهم يعرف توجهي العلماني فهو يطالبني بقوله أين أنتم؟ وهل كانت السلطة الدينية عائقاً أمام وجودكم في الساحة السياسية؟ وأني لأجد في أسئلة كهذه أمراً ظاهره الحق وباطنه الباطل،ذلك لأنْ لا أحد يغفل الدور المحوري الذي شكلته وما زالت تشكله الى اليوم السلطة الدينية. ولكي نتكلم بجدية وبأنصاف، علينا العودة الى المربع الاول،يوم تم اقرار الدستور، وتشكيل أول حكومة عراقية، التي لم تقم لولا المباركة والتأييد اللذين قدمتهما السلطة هذه.
لقد كان للجملة التي وردت في الدستور والخاصة بالمرجعية الأثر الواضح في ربط ما هو سياسي بما هو ديني، في متلازمة باتت يوماً إثر آخر واحدة من عوائق الفعل السياسي العراقي،ولم تتتوقف عنده فقد انسحبت على مفاصل عديدة في حياتنا، نحن في العراق العربي- الشيعي تحديداً، حتى بتنا عمياً عن تطوير الأداء العام ، وصرنا نرجع في قضايا عامة وبسيطة الى التشريع والبحث عن الحلية والتحريم والقبول والرفض ولا أجد الخلاص من المتوالية هذه إلا بنداء صريح من السلطة الدينية يقضي بفك الأشتباك هذا.
قطاع واسع من شعبنا بل أغلبية كبيرة علقت آمالها وطموحاتها ومستقبلها على ما تقوله وتسلكه وتنتجه السلطة الدينية في النجف وكربلاء، الأمر الذي قاد البعض في التظاهرات الاخيرة الى الهتاف علناً بما يعني إن السبب الاول في ما يحصل للبلاد إنما خيطه الاول بيد السلطة المقدسة هذه، ومع إنها تكرر دائماً بأن لا علاقة لها باختيار السياسيين إلا أن الذي تأسس وتعمق في الوعي واللاوعي الجمعي عند هؤلاء جعلهم مصريين على مطالبة السلطة الدينية بايجاد الحلول، في إصرار على فقدان البوصلة، من هذا يمكننا استنتاج النهاية المرعبة وغير المحسوبة التي تنتظرنا.
نحن أمة دأبت على تعليق معظم تفاصيل الحياة على متوالية الجنة والنار،الحلال والحرام، الجائز وغير الجائز ولا نجرؤ على اتخاذ قرار حاسم إلا بعد موافقة السلطة الدينية، التي قد تأتي عبر حلم ما، كأن يطوف على أحدنا رجل دين أو ولي صالح ليعلمنا ولو بألغاز وتعمية بان ما نقوم به جائز ومسموح به، ولا أستبعد قول البعض : وهل في ذلك ما يشين حياتنا ؟ بل وما زال الغالبية يرددون العبارة التقليدية (ذبها برقبة عالم واطلع منها سالم) مع أن جُل النصوص القرآنية والاحاديث تحث على غير ذلك. وقد استثمر الذين خلطوا الدين بالسياسة التعمية هذه فانتفعوا وأثروا وفسدوا ،وخربوا البلاد ومستقبلها ومع ذلك نجد بين العامة من يستخرج لهم الأعذار ولا يجرؤ على الوقوف بوجههم ومحاسبتهم ومساءلتهم عما فعلوه وسرقوه وخزنوه، هل نذكر أسماء الذين سرقوا باسم العمامة؟ السوداء والبيضاء والذين نجوا من المساءلة والتعرض لهم لا لشيء إلا لأنهم يعتمون بعمامة رسول الله، العمامة التي خلعتها السلطة الدينية على العشرات ومنحها المساكين القداسة والسلطان.