علي حسين
ما جرى في ساحة التحرير وفي البصرة والنجف والمثنى والديوانية وميسان، لم يكن اشتباكاً عفوياً بين مجموعة من المتظاهرين من جانب، ورجال الأمن من جانب آخر.
لم يكن حادثاً عابراً، وإنما كان سيناريو محكماً للغاية، أرادت به حكومة العبادي أن توجّه عدّة رسائل إلى من يهمه الأمر.. وعلى طريقة عمليات القتل الغامضة التي تقع هنا وهناك مع كلّ حديث عن محاسبة الفاسدين، جاء حادث اغتيال المحامي البصراوي"جبار الكرم"الذي أعلن قبل ايام تطوّعه للدفاع عن المتظاهرين المعتقلين، متزامنة مع مطالبات دولية بإطلاق سراح الشباب المعتقلين ووقف عمليات التعذيب التي تجري في سجون وزارة الداخلية.
لقد أراد العبادي ومن ورائه حزب الدعوة وأحزاب ترى في السلطة حقاً مشروعاً للنهب والقتل، أن يقولوا للمتظاهرين والداعمين لهم إنّ البديل سيكون مخيفاً، وذلك بأن قامت قوات"مكافحة الشعب"بتلقين المتظاهرين العزّل درساً قاسياً في الإهانة الجسدية والنفسية على نحو بلغ من الوحشية، ما يدفع المواطن العراقي أن يسأل : أين حارس الدستور فؤاد معصوم لينقذ شباب التظاهرات من براثن"شقاوات"العبادي؟
إذا كان العراقيون قد قدّموا آلاف الشهداء فداء لهذا الوطن في قتالهم ضدّ عصابات داعش، وإذا كان هذا الشعب قد قدّم خيرة شبابه خلال العقود الماضية في سبيل الخلاص من دكتاتورية"القائد المؤمن ووصاياه"يجد اليوم من يريد أن يفرّخ دكتاتوريات جديدة، وأن مسؤولين جاءوا على ظهور دبابات الديمقراطية يصابون اليوم بحالة من الدروشة كلما سمعوا كلمة دولة مدنيّة.
إنّ مايجري اليوم يؤكد أنّ أشياء كثيرة لم تتغيّر، وأن هناك من لا يريد أن يتعلّم، بدليل جريمة مقتل جبار كرم، وهي تكرار لجريمة مقتل هادي المهدي وإن اختلفت التفاصيل والوجوه، فالذي حدث أنّ مواطناً عراقياً فقد حياته، لأنّ القانون جرى تغييبه وتجاوزه بمعرفة من هم مسؤولون عن تطبيق القانون والدفاع عنه.
من بغداد إلى البصرة المتهم واحد: الحكومة التي قررت أن تعلِّق المتظاهرين في مراوح السقف، وتطلق الرصاص الحيّ على القانون وتتصرّف منطلقة من إحساس متضخّم بالسلطة والنفوذ.
السيد العبادي.. إنّ الطريق لاستعادة هيبة الدولة يبدأ من احترام الدولة للقانون، وأن يكون العدل فوق البطش، ولهذا سيبقى جبار الكرم بابتسامته الرائعة وملامحه الشجاعة فى قلوب كل العراقيين، فيما ستسقط دولة الفشل والتعذيب.