نجم والي
عطفاً على رحلة الكاتب الدانماركي هانز كريستيان أندرسن التي تحدثت عنها في عمود الأسبوع الماضي، من يقرأ المرحلة الأولى من رحلته سيتفهم سبب خوفه من الشروع في الرحلة، كانت السفينة التي أستقلها بإتجاه سيمرنة (أزمير) تتمايل وتخرج صريراً، وكانت تشق طريقها بصعوبة، والإمخار كان صعباً، أما النساء المسافرات على سطح السفينة فكن يصرخن طوال الوقت، أما هو فلم يخرج حتى إلى سطح السفينة، وعندما خرج في الساعة السادسة لم يستطع الوقوف، كان يتمايل مع السفينة، كان مصاباً بالدوار البحري، إلى درجة أنه فكر بالموت وبأحبته في بلاده، بل فكر، إن تلك ستكون رحلته الأخيرة، ولم يطمئن إلا بعد ساعة ونصف، عندما سيلوح أمامهم مرفأ سميرنه، والبحر بمياهه الخضراء الداكنة، وكان أول انطباع يسجله "سواحل آسيا تشبه سواحل صقلية، لكنها أكثر فخامة".
وعندما ترسو سفينتهم، يغادرها إلى المدينة الواقعة عند أقدام الجبل الأخضر، مع شاب إيطالي وآخر فرنسي، "الشوارع ضيقة تشبه شوارع البندقية، حشد كبير من الناس، تركيات يرى المرء منهن الأنوف المدببة والعينين فقط، متشكلات على شكل القدور السوداء في يوتلاند، عبر صحون البيوت يقود ممر إلى البحر. المدينة تبدو كبيرة جداً"، يكتب أندرسن انطباعاته الأولى، قبل أن يلفت نظره الشاب الفرنسي إلى القنصل الدانماركي، مونسيو جونغ، "ربت على كتفه، فنشأت الصداقة مباشرة كان على أهبة الصعود إلى السفينة البخارية التركية في طريقه إلى القسطنطينية".
استراحة قصيرة في المقهى ثم العودة إلى السفينة، في الساعة الواحدة والنصف تنطلق بهم السفينة في طريقها إلى القسطنطينية "قارب كبير مليء بالأتراك الذين سيقودون السفينة، بدوا مثل موكب جثث من روما" ثم يرى في طريقه ميتيلينة قمة قبر آخيل على سهل ترويا.
في يوم الأحد، 25 نيسان 1841 الساعة الخامسة ترسو السفينة في القسطنطينية «جو غائم، القسطنطينية ضخمة وفانتازية. جامع فخم إلى جامع فخم آخر، شجرات سرو عالية داكنة. السراي واضح وسابح في الضوء، فيما برزت الشمس على القبور عند السواحل الآسيوية. رمينا مرساة السفين بين غالاتا والقسطنطينية". وما أن يتجول في المدينة حتى نقرأ المفاجأة: «أي منظر! القسطنطينية تذكر، أكثر من كل المدن الأخرى، باستكهولم"
القسطنطينية كما يصفها أندرسن كانت، كما يبدو، مزدحمة بكثافتها السكانية "لحسن الحظ لا وجود لوباء الطاعون، لأن من غير الممكن تجنب أية لمسة، المرء ينسل بين الناس مثل حية ماء، عُقدت مع بعضها". بل حتى "شواهد القبور إلى جانب بعضها معبأة مثل جِذر بعد الحصاد، يونانيون وأتراك يعيشون في المدينة"، كما يصف لنا أندرسن.
أحد أجمل المشاهد المعبرة التي يصفها أندرسن هو لحظة ذهابه للحلاق: "أرمني، كان صالونه مكتظاً بمدخنين، يونانيين، أتراك، أرمن" بالفعل أية مدينة فعندما يذهب للتجول عبر الجبال خلف القسطنطينية يرى عند الشوارع هناك "فلاحين بلغار، أحدهم يرقص، فيما كان الآخر ينفخ في كيس قِربة"، أما الاسكافي الذي يذهب إليه، والذي كانت زوجته مصابة بالتيفوئيد، فإسمه لانغة، إسم الماني في الحقيقة.
في رحلته تلك تندلع الاضطرابات في روميليين، تيساليين ومقدونيا، أمر يجعل الرحلة عبر نهر الدانوب خطيرة خاصة للضباط النمساويين الذين سيلتقيهم في المدينة، وبينما يقضي وقته في جولات عبر المدينة، يلاحظ "أن الاتراك يجلسون في محلاتهم مع النارجيلية"، هناك أيضاً "الفرس يتجولون هناك يبيعون شاولس، يلبسون قلنسوات مدببة، مدورات الشركس مكللة بالقطن، مثل شعر متوحش".
كما يبدو فإن اليوم الثاني من 3 أيار، هو يوم عيد ميلاد النبي محمد، "لذلك أُضيئت كل المنارات في ذلك اليوم" كما سيصف أندرسون يوم عيد ميلاد الرسول محمد، وهذا ما سآتي إليه في العمود القادم.