أحمد فاضل
إنقضت ثلاثة وثمانون عاماً منذ عرض فيلم " آنا كارنينا " لأول مرة عام 1935 ، رواية كاتب روسيا العظيم ليو تولستوي ، فهل يحق لنا اليوم القول إن من أسباب ذيوع اسم وشهرة هذه الرواية بين ملايين من قرأها هي نجمة هوليوود الساحرة غريتا غاربو التي جسدت دورها بكل البراعة التي عُرِفت بها ، وقد أفترض أنني أكتب عن امرأة حاول تولستوي تقديمها بكل ذلك الهراء الذي عرفت به عن غيرها من النسوة اللاتي عشن حياتاً بوهيمية في روسيا ، لكنني سأتحدث عن غريتا غاربو التي ما إنْ تذكر آنا كارنينا إلا وتكون هي حاضرة معها ، ولأنها لم تهتم أبداً بفرض وجهة نظرها على الجمهور ، فقد نشأت الأساطير حولها وأصبحت النموذج المبهر للمرأة في السينما ومطلوبة من قبل كثير من المخرجين غير مقلدة يكاد يكون من المستحيل الاقتراب من عملها اليوم من دون ذكر موهبتها الكبيرة والناس الذين يدافعون عنها والذين يهاجمونها لم يتعرفوا على حقيقتها وأخشى ما أخشاه إنهم قد يكونوا قد ظلموها بشدة .
غريتا غاربو ، بكل بساطة ، ممثلة شاشة كبيرة وهذا يعني إنها تتكيف مع الدور الذي يسند لها بسبب تمتعها بجمال أخّاذ وصوت رائع يضيفان دفئاً عجيباً لكل شخصية من الشخصيات التي تؤديها ، فظهورها في " آنا كارنينا " لتولستوي وإخراج كلارنس براون الذي كان له ثراءً كبيراً وحساً فنياً في اختيار الصورة السينمائية المبهرة لبطلي فيلمه غريتا غاربو وباسيل راثبون ، وجدت إنه من الصعب عليَّ أن أؤمن بدور فرانكسي الأنيق الذي اضطلع ببطولته فريدريك مارش على الرغم من لعبه الدور حسب ارشادات براون مع بقية طاقم الفيلم الذي تميز منهم باسيل راثبون على وجه الخصوص بإحساسه العالي وهو يقف بكل مشاعره أمام غاربو - آنا كارنينا .
قبل عدة سنوات ، أيام السينما الصامتة شاركت غاربو بنسخة أولى من آنا كارنينا ففي تلك الأيام كانت السينما في بداياتها ولم تكن لتمنح البهجة نفسها بعد عقدين أو أكثر من السنين التي قامت بعدها ، فهناك بالطبع صورة مختلفة لفيلم غاربو الصامت الذي صور بالكامل في هوليوود ولم يصور في روسيا ومع أن مشاهده باهتة ولم يكن بمستوى نسخته التالية ، لكن على العموم منح كارنينا صورة للجدارة ، حسنة النية ومليئة بالمواجهات الصريحة ، وتقدم غاربو أكثر نضجاً وثراء وأكثر أناقة مما كانت عليه من قبل .
أنا أعشق غاربو ، ولكن كلما شاهدت عروضها كلما شعرت إنها لم تكن ممثلة عظيمة فقط بل امرأة جميلة بشكل مذهل وبقوة شخصية آسرة جعلت أقرانها غير قادرين على الأداء مثلها ، ولأن الرواية تحتاج إلى سيناريو قوي يعكس عظمة مؤلفها تولستوي فقد عهد مخرج الفيلم كلارنس براون إلى كليمنس داين وهو آنذاك من أبرع كتاب السيناريو في هوليوود الذي تمكن من وضع أجمل الحواريات فيه كما في مشهد لقاء والدة فرونسكي بآنا أول مرة التي شاركتها ركوب القطار :
- أنتِ يا عزيزتي ، لديكِ موهبة الصمت الإلهية
، وفي حوار آخر مع زوجها الذي فارقته وهو يدلو أمامها بآخر الكلمات :
- شرفك ، أنانيتك ، نفاقك ، وقفت جميعاً حائلاً أمام إنسانيتي التي حاولت من خلالها الحفاظ على وضعك الاجتماعي ، وسمعتك
افتُتح الفيلم في مسرح الكابيتول في نيويورك وهو موقع للعديد من المهرجانات البارزة وقد حصل الفيلم على 2،304،000 دولار في شباك التذاكر وفاز بكأس موسوليني لأفضل فيلم أجنبي في مهرجان البندقية السينمائي ، حصلت غريتا غاربو على جائزة دائرة نقاد السينما في نيويورك لأفضل ممثلة عن دورها فيه ، بالإضافة إلى ذلك تم تصنيف الفيلم في المرتبة رقم 42 على قائمة معهد الفيلم الأمريكي لأحسن الأفلام منذ 100 سنة ، وقف إلى جانب غاربو مجموعة من ألمع نجوم هوليوود وقتذاك فريدريك مارش ، باسيل راثبون ومورين أوسوليفان .
عن / صحيفة الغارديان اللندنية